كل عاقل مُدرك لا يشك لحظة أن مَن يربح الكثير في الوقت القصير أفضل ممن يربح القليل في وقت طويل، ومن هِمَّته في الثرى ليس كمن همته في الثريا، ومن يأتيك بالأزهار ليس كمن يأتيك بزهرة واحدة فقط، وهذه حالنا مع النية؟! فكل عمل لا بد له من نية كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى”. ولكن هناك من يعمل العمل، ويستحضر عددًا من النوايا، فتضاعف له الأجور، ويجمع أكبر قدر من الحسنات بوقت قصير وعمل واحد، وهناك من يستحضر في العمل نية واحدة، فلا يكون له إلا أجر هذه النية، وشتان بينهما. كمن عاد مريضًا يستطيع أن يستحضر أكثرَ من نيَّة في هذا العمل، فينوي عيادة المريض، وينوي إدخال السرور على مسلم، وينوي إطعام الطعام إن كان يأخذ معه شيء من الحلوى، ونية التبسم في وجه أخيه، وينوي الصلة إن كان من الأرحام، وينوي الدعوة إلى الله إن كان يذكِّره بالله وبأجر الصبر وحسن الظن بالله.
يا ألله، كم ضاعت علينا من نيات وأجور كثيرة، ونحن نغدو ونروح ونبذل من المال، ولا نستحضر مثل هذه النيات، بل قد نتضجر أحيانًا؛ لذلك قيل: النية تجارة العلماء، لا يعرف عِظم قدرها إلا هُم؛ لأنهم عرفوا كيف يتعاملون مع خالقهم؛ عن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “أُحدثكم حديثًا فاحفَظوه: إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزَقه الله مالًا وعلمًا، فهو يتقي فيه ربه، ويصِلُ فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقًّا، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزَقه الله علمًا ولم يرزقه مالًا، فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالًا لعملت بعمل فلان، فهو بنيته، فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالًا ولم يرزقه علمًا، فهو يخبِط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقًّا، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالًا ولا علمًا، فهو يقول: لو أن لي مالًا لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، فوزرهما سواء” رواه الترمذي.