استراحة الصائمين.. علمني رمضان

استراحة الصائمين.. علمني رمضان

 

من قبل شهور ونحن نتمتم بذكر رمضان، نَعُدُّ الأيام والدقائق، نترقب يوميًّا دخول الشهر؛ لنبدأ رحلة جديدة؛ رحلةً مع شهر رمضان. ها هو رمضان الخير والنور، رمضان العطر والطهر، رمضان الصلاة والذكر. هذا رمضان شهر الحُب، شهرٌ تنضوي فيه كل أسرار الحياة، وكم علَّمنا هذا الشهر من أسرارٍ وأسرار! شهر علمنا الحب، علمنا الود، علمنا كيف نغسل قلوبنا، ونجمل أفواهنا بحَلا التمر، ولا زال هذا الشهر يعلمنا الكثير. كان يضيِّع الصلوات ولا يلتزم بها، وخاصّة الفجر؛ كان يرى أنها ثقيلة كالجبال، وأن لذة نومه ليست إلا في تلك الدقائق فقط، يأتي رمضان ليتغير هذا الإنسان، يتبدد هذا الوهم، يتحول هذا الفتور إلى نشاط.

إنها مدرسة الصيام، وهكذا رمضان يعلمنا. كانت السيجارة لا تفارق جيبه، يهرب من مشكلات الحياة وضغط الواقع إلى نفْثة مسمومة يُدخلها في جوفه ويلوث بها جمال الحياة، يأتي رمضان فيتغير كل شيء؛ يُمسك عن التدخين، والكثير منهم شد عزيمته فترك الدخان، هكذا رمضان يعلمنا.

كان يجد الوقتَ لأصحابه، وتصفُّح مواقع التواصل، والجلوس مع الأولاد، ومتابعات المباريات، إلا أنه يتعذر بضيقه عند قراءة القرآن! كان لا يعرف طريق المصحف طيلة العام، ويأتي رمضان فيهتدي إليه، يكتشف أسراره، ويلتَذُّ بمعانيه، يلتزم بقراءته كل يوم، ويتزود منه في كل حين، وهكذا رمضان يعلمنا.

كان يتمايل يمينًا وشمالاً بها، لا يستطيع أن ينام دون أن يسد أذنيه بالسماعات ويستمع إلى مغنيه المفضل، لا تفوته أية أغنية جديدة، وينتظر بفارغ الصبر آخر “ألبوم”، ولكن ما أن أتى رمضان حتى بدأ يتعرف على القرآن، ووجد فيه ما أبعده عن الغناء وأهله، كان أعلَمَ الناس بالأغاني، وصار أجهَلَ الناس بها، وأبعد الناس عنها، إنه رمضان يعلمنا.

كان يجلس لينهش لحوم إخوانه، لا يكاد يسلم منه أحد، وحتى أصدقاؤه يتهربون منه؛ فقد عُرف بالطعن في الظهر، لا يجلس مجلسًا ويقوم منه إلا وقد نال من الكثير، ولكن جاء رمضان فغيره؛ أمسك لسانه، وحفظ إخوانه، كلما همّ بالغِيبة، تذكّر “رُبّ صائمٍ ليس له مِن صيامه إلا الجوع” ولا يزال رمضان يعلمنا.