إن شهر رمضان قد انتصف، فهل فينا مَنْ قَهَرَ نفسه وانْتَصَف؟ وهل فينا مَنْ قاد فيه بما عَرَف؟ وهل تشوَّقت أنفسنا لنَيْل الشَّرَف؟ أيها المحسن فيما مضى منه، دُمْ على طاعتك وإحسانك، وأيها المسيء وبِّخ نفسَكَ على التفريط ولُمْهَا. إذا خسرنا في هذا الشهر؛ متى سنربح؟ وإذا لم نسافر فيه نحو الفوائد؛ فمتى سنبرح؟ فلنَسْتَدْرِك باقيَ الشهر يا عباد الله؛ فإنه أشرف أوقات الدهر؛ هذه أيام يُحافظ عليها وتُصان، هي التاج على رأس الزمان، ولنعلم أننا مسؤولون عمَّا نضيِّعه من أوقاتٍ وأحيان، نعم؛ إننا مسؤولون عن هذه الأوقات من أعمالنا؛ في أي مصلحة قضيناها؟ أفي طاعة الله وذِكْرِه، وتلاوة كتابه، وتعلُّم دينه؟ أم قضيناها فيما لا يعود علينا بكبير فائدة؟ بل قد يُباعدنا عن الله تعالى وعن مرضاته، ويقرِّبنا مما يسخطه والعياذ بالله.
فالعجب لنا؛ نعرف ما في هذا الشهر من الخيرات والبركات، ثم لا تطمئن أنفسنا إلا بتضييع أوقاتنا فيما لا يزيدنا إلا بُعْدًا عن الله، وكأنَّ صُحُفنا قد مُلِئَت بالحسنات، وضَمِنَّا دخول الجنات!!. إلى متى نرضى بالنزول في منازل الهوان؟ هل مضى من أيامنا يومٌ صالحٌ سَلِمْنا فيه من المعاصي والآثام؟. عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ: حياتك قبل موتك، وصحَّتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغِناك قبل فقرك”.
إننا لا نعرف قدر وقيمة نعمة الحياة والصحة والفراغ والشباب والغِنى إلا بعد زوالها وفقدها، فلنغتنم فرصة وجودها، نسخِّرها في كلِّ ما يوصلنا إلى جنَّات ربِّنا عزَّ وجلَّ ويباعدنا عن عذابه، ولنستيقظ من غفلتنا، ولنَسْتَدْرِك ما فاتنا من رمضان، ولنجعل ما بقيَ من شهرنا أحسن ممَّا فات، ولنتذكَّر قول النبي صلى الله عليه وسلم: “مَنْ صام رمضان إيمانًا واحتسابًا؛ غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه”. فمَنْ أراد الفوز بالجنَّة، والنجاة من النار؛ فما عليه إلا استغلال وقته وصحته وماله في هذا الشهر المبارك، خاصةً في طاعة الله تعالى والتقرُّب إليه، فلعلَّ الواحد منَّا في هذا الشهر آخر رمضان يعيشه، فيكون ممَّن أُعْتِقَ فيه من النار.