القسم الأول: الظالم لنفسه، وهو المفرط في فعل بعض الواجبات، المرتكب لبعض المحرمات، فاحذر يا عبد الله أن تكون من الظالمين لأنفسهم في هذا الشهر خصوصًا، وفي غيره عمومًا، فتكون المحرمات لك أنيسًا، والطاعات منك بعيدًا، فالموت يأتي فجأة، فهو لا يعرف صغيرًا ولا كبيرًا، ولا مريضًا ولا صحيحًا، ومن مات على غير طاعة، ندم، وتحسر عند الموت، وتمنى العودة ليعمل الصالحات، قال الله جل جلاله ” حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ” المؤمنون: 99، 100. فجاهد نفسك، فاليوم أنت حي، وغدًا قد تكون ميت.
القسم الثاني: المقتصد في عمله، وهو المؤدى للواجبات، التارك للمحرمات، ويفعل بعض المكروهات، وقد يترك بعض المستحبات، فهذا وإن كان على خير، إلا أن النفوس الأبية تتطلع إلى الكمال، فهذا عليه أن يجاهد لنفسه ويستغل هذا الشهر بكثرة الطاعات والخيرات، التي متى كنت عن إخلاص لله عز وجل، ومتابعة لسنة نبيه علية الصلاة والسلام، فإنها ستؤثر فيه، فتجعله يترك فعل بعض المكروهات، ويقدم على فعل المستحبات، وعند ذاك ينتقل إلى مصاف المسابقين إلى الخيرات.
القسم الثالث: المسابق إلى الخيرات، وهو الفاعل للواجبات والمستحبات، التارك للمحرمات والمكروهات، وبعض المباحات، فهذا هنيئًا له، وطوبى له، فقد صام بطنه، وفرجه، وأذنه، وعيناه، ولسانه، وجوارحه، نهاره صائم، وليله قائم، يتلو آيات القرآن إناء الليل وأطراف النهار، لسانه لا يفتر عن ذكر، وقلبه لا يغفل عن استشعار مراقبة له في كل زمان ومكان، إن نام، نام ليستعين على طاعة الله، وإن أكل أو شرب أكل وشرب ليستعين على طاعة، ومن كان من هؤلاء فلا يغتر بعمله، فما سبق إلى الخيرات إلا بتوفيق الله ومعونته، فعليه أن يكثر من الدعاء بالثبات، فعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثِر أن يقول ” يا مُقلِّبَ القلوبِ، ثبِّتْ قلبي على دِينك ” فقلت: يا نبي الله، آمَنَّا بك، وبما جئتَ به، فهل تخاف علينا؟ قال ” نعم، إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله، يُقلِّبها كيف شاء” أخرجه الترمذي.