ارتفاع الأصوات المطالبة بنزع الوصاية من البلديات… تلاميذ معرّضون للبرد، الجوع والقذارة بالعاصمة

ارتفاع الأصوات المطالبة بنزع الوصاية من البلديات… تلاميذ معرّضون للبرد، الجوع والقذارة بالعاصمة

لم يعد يخفى على أحد المستوى الذي بلغته كثير من ابتدائيات العاصمة من تقهقر انعكس سلبا على أداء التلاميذ الذين أضحوا أبعد من أن يفكروا في دروسهم بقدر ما يفكرون في كيفية تأمين الدفء في الأيام الباردة وملء بطونهم بوجبات ساخنة بعدما تأذوا من الوجبات الباردة التي لا تتوفر – على ضررها – كل يوم، ضف إليها ما يتعرضون إليه من أذى نفسي عند تواجدهم في محيط قذر سيما على مستوى دورات المياه التي بالكاد تستفيد من عمليات تنظيف، ناهيك عن المعاناة الأولية التي تسبق الالتحاق بهذه الابتدائيات بسبب حرمان الكثيرين من وسائل النقل المدرسي، وهي عوامل تحالفت لتعقّد من مهمة التلميذ الذي لم يبلغ بعد العشر سنوات من عمره لتكتب عليه مقاساة أكثر من معاناة واحدة تحت أنظار السلطات المصرة على تكليف البلديات بمهمة تسيير هذه الابتدائيات وترسيخ ذلك في قانون البلديات الجديد.

 

 

ما تزال الاتهامات بالتقصير تكال إلى البلديات العاصمية في تسييرها للإبتدائيات بسبب الأوضاع الكارثية التي تتواجد عليها وجعلتها تتحول إلى بؤر مهددة لصحة التلاميذ بدل أن تكون ملاذه لاغتراف العلم وسط ظروف مريحة، حيث يتلقون أبجديات التعليم الأولى في حجرات هي أقرب إلى الثلاجات منها إلى اقسام تعليمية، محرومين من التدفئة ولا يحظون بوجبات غذائية ساخنة بعيدا عن شيئ اسمه نظافة سيما في دورات المياه، دون الحديث عن أخطار أخرى تتربص بحياتهم خاصة في حالات تساقط الأمطار كتهاوي الجدران والأسقف على رؤوسهم وإذا نجوا من كل هذه السلبيات، فإنهم لن يسلموا من الاكتظاظ وتداعياته مع إجبارهم على نظام المداومة والتمدرس في شاليهات مولدة لكل أنواع السرطانات بعد أن يكونوا قد عانوا الأمّرين للالتحاق بمدارسهم نتيجة حرمانهم من نقل مدرسي وأمور أخرى كثيرة تعاني منها كل الأسرة التربوية ودفعت بالتحصيل العلمي للتقهقر إلى مستويات دنيا وفرار الكثيرين من هذا الوضع بالعزوف الكلي عن الدراسة، الأمر الذي جعل الأصوات الداعية إلى نزع ملف تسيير الابتدائيات من البلديات وتسليمها لوزارة التربية ترتفع مجددا على أمل إنقاذ التلاميذ من الوضع الذي يتواجدون عليه منذ سنوات، داعين الحكومة إلى أخذ مطلبهم على محمل الجد وإنهاء مسلسل التخاذل واللامبالاة التي كانت لها نتائج وخيمة على الذين من المفروض أن يحملوا المشعل.

 

صهاريج صدئة لتزويد التلاميذ بالمياه والنظافة في خبر كان

انتفض أولياء التلاميذ ضد الوضعية الكارثية التي يتواجد عليها عدد من الابتدائيات، بحيث استعصى على أولادهم التواجد في أقسام دراسية، ساحات ودورات مياه غير نظيفة خاصة هذه الأخيرة التي تحطمت في عدد من المؤسسات بعض أجزائها والبعض الآخر تم غلقها تجنبا لاستمرار استعمالها، وهي في تلك الوضعية التي تحولت فيها إلى بؤرة لانتشار الأمراض لعجز الإدارة عن استقدام عاملات نظافة مهددة بذلك صحة التلاميذ الذين يتجنبون اللجوء إليها في وضع غير إنساني وغير مساعد أبدا على تلقي الدروس بشكل طبيعي.

ونقل أولياء التلاميذ جملة من التجاوزات الحاصلة في هذه المدارس التي لا تشكو فقط عدم نظافة دورات المياه وإنما غياب أقفال الأبواب وعدم صلاحيتها أصلا، وعدم الإحساس بالأمان وهو عائق آخر يقف أمام التلاميذ، مما يدفعهم إلى تحاشي هذه الأماكن التي تحولت بفعل فاعل إلى مصدر للأمراض والخطر، ناهيك عن انعدام الماء

واهتراء المراحيض ونتانتها، وقدم وتعفن المياه التي تمر بحنفيات صدئة وصهاريج تفتقر للتنظيف خاصة منها تلك القديمة التي تغيب فيها كل معايير التهيئة و التحديث، وانعدام الماء ببعض المطاعم وكارثية بعض الصهاريج المملوءة بالصدأ والقذارة.

 

حجرات أقرب إلى الثلاجات لتلقين التلاميذ الدروس

توّرطت البلديات بشكل أو بآخر في تمدرس كثير من تلاميذ ابتدائيات العاصمة داخل حجرات باردة من أهمها عدم ربط هذه المؤسسات بشبكة الغاز الذي يعتبر مادة ضرورية خاصة في فصل الشتاء، وقد تسبب تماطل السلطات في توصيل هذه المادة الحيوية إليها لغياب التدفئة عن الكثير من المدارس رغم التعليمة التي وجهتها الحكومة ومعها ولاية العاصمة للتكفل بهذا الأمر الذي لم يتحقق بعد، ما انعكس سلبا على التحصيل العلمي للتلاميذ الذين يعانون سيما خلال ساعات الصباح الأولى و ينحصر أغلب تفكيرهم في كيفية تدفئة أنفسهم ومجابهة البرد الذي يكون شديدا في بعض الأحيان بدل التركيز في دروسهم.

وحسب أولياء التلاميذ، فإن هذا الاهمال الذي سلط ضد أبنائهم حرمهم من فرصة تحسين مستواهم الدراسي الذي يعرف تراجعا ملفتا، مطالبين الوصاية بضرورة إشهار سيف الحجاج في وجه المتخاذلين والمتورطين في حرمان تلاميذ الابتدائيات من حقوقهم الأساسية.

 

لا وجبات ساخنة والموت يتربص بمرتادي الإبتدائيات القديمة

ما تزال كثير من الإبتدائيات بالعاصمة تحرم تلاميذها من وجبات ساخنة ولم تنجح مساعي أولياء التلاميذ وكذا رواد شبكات التواصل الاجتماعي في إقناع السلطات بضرورة حماية هؤلاء الأطفال من تداعيات تناولهم في كل مرة وجبات باردة على صحتهم وأحيانا يحرمون منها أصلا، من خلال محاولات فضح المسؤولين بصور المتضررين الذين لا حول لهم ولا قوة سوى الخضوع لهذا الواقع المؤلم، وقد بقي الأمر على حاله في كثير منها وضرب بتوصيات الحكومة عرض الحائط تحت ذرائع كثيرة للتهرب من هذا التنصل رغم المبالغ الطائلة التي خصصت لاقتناء الآلات والأجهزة وكذا الأدوات اللازمة لضمان إعداد وجبات ساخنة كاملة نوعا وكما، إلا أن سوء التسيير حال دون استغلال ذلك.

في سياق آخر، فإن سلامة التلاميذ ليست مرتبطة فقط بما يتناولونه، فالكثير منهم عرضة لتهاوي آجزاء من جدران الأقسام على رؤوسهم بفعل اهترائها سيما عند تهاطل الأمطار أو هبوب رياح قوية، وأحيانا دون سبب معين وإنما راجع إلى قِدم هذه الابتدائيات التي تعود إلى أكثر من قرن.

 

النقل المدرسي تحت وطأة الفوضى بسبب أولوية الترحيل دون سواه

فشلت البلديات في إيجاد حلول لمشكل نقص النقل المدرسي في كثير من الابتدائيات الواقعة على إقليمها باعتبار أن بعض المدن استقبلت حصصا سكنية جديدة لم ترافقه الهياكل التربوية، في حين، تشكو بلديات أخرى من نقص الإمكانيات وبُعد التجمعات السكانية عن بعضها البعض، الأمر الذي أبقى المشكل يلازم التلاميذ لسنوات على غرار تلاميذ حي ساليبة بواد السمار والمضطرين يوميا إلى قطع مسافات كبيرة مشيا على الأقدام لبلوغ مدارسهم شأنهم في ذلك شأن تلاميذ حوش طبيب بالسحاولة المؤرقين من هاجس غياب النقل مطالبين الجهات الوصية بالالتفاتة إلى انشغالهم وأخذه بعين الاعتبار، فهم يضطرون إلى قطع أزيد من 2 كلم للوصول إلى مدرسة مريجة مشيا على الأقدام، وهو ما أرهق الأجساد الهزيلة للتلاميذ محملين بثقل المحافظ المملوءة باللوازم المدرسية، ورغم مرور أزيد من ستة أشهر على بداية الموسم الدراسي إلا أن السلطات المحلية لم تتخذ أية إجراءات خاصة باقتناء حافلات نقل لأبنائهم، بالرغم من الوعود التي يتلقاها المواطنون في كل مرة بحل المشكل، غير أن الوعود بقيت حبرا على ورق ليبقى عشرات التلاميذ يتجرعون الويلات بسبب التنقل سيرا على الأقدام للوصول إلى مقاعدهم الدراسية، ناهيك عن الاعتداءات والسرقات المتكررة التي طالتهم جراء قطع المسافات الطويلة، كما أن غياب النقل المدرسي جعل المتمدرسين يتأخرون في الالتحاق بمقاعد الدراسة في الوقت المحدد، ما يرغم الكثير منهم على التغيب بسبب التأخر الاضطراري وسط غياب النقل والوقوف لساعات بالمحطة في انتظار مرور الحافلات والظفر بمكان من أجل الوصول إلى مدارسهم، خاصة أن الحافلات غالبا ما تكون ممتلئة بالمسافرين، وهو المشكل الذي تعاني منه الكثير من البلديات سواء في شرق الولاية أو غربها وهذا بسبب عمليات الترحيل التي أربكت جميع أحياء العاصمة.

 

الاكتظاظ ونظام المداومة يضعفان أداء الإبتدائيات ويتعبان الأسرة التربوية

أبدى أولياء تلاميذ كثير من الابتدائيات رفضهم لظروف تمدرس أبنائهم بحيث – وبسبب تجاوز عدد التلاميذ للرقم المسموح به – فرض عليهم نظام المداومة وما يترتب عنه من عدم استقرار وتفويت لكثير من النشاطات المدرسية وفرص تدعيم دروسهم لنقص الأقسام، معبرين عن امتعاضهم للاكتظاظ الذي تتواجد عليه أغلبها رغم إذعانهم لخيار الشاليهات كحل مؤقت يحرّر أبناءهم من نظام دوامي يؤثر على مردودهم التعليمي ويربك تنقلات ذويهم لمرافقتهم، وهذا إلى حين تعزيز الهياكل التربوية الموجودة بمدارس أخرى جديدة تمتص الاكتظاظ وتحسّن أداء وعمل الأسرة التربوية سيما وأنه بلغ في بعضها أكثر من 50 تلميذا استعصى فيها مع الأستاذ التحكم فيهم، مؤكدين أن نظام المداومة استنزف تركيزهم وأثّر على تحصيلهم العلمي كونه لا ينصح به للتلميذ الذي سيتلقى أولى أبجديات التعليم بطريقة غير صحيحة، داعين السلطات إلى التحرك فورا لتعزيز الهياكل التربوية المتوفرة بأخرى جديدة في القريب العاجل سيما وأن حالة الاستياء بهذا الوضع تزداد موسما بعد موسم وخاصة بالنسبة لتلاميذ السنة الأولى الذين لم يتعلموا الكتابة والقراءة بعد، حيث أنهم في أمس الحاجة إلى رعاية كبيرة من طرف المؤطرين الذين لم يتمكنوا بدورهم من التحكم في حوالي 50 تلميذا مبتدئا داخل قسم واحد، محمّلين المسؤولية في ذلك للسلطات المحلية.

 

إبقاء وصاية البلديات على الابتدائيات يخرج الأسرة التربوية عن صمتها

عجّلت الأسرة التربوية بالتنبيه إلى تبعات إبقاء وصاية الابتدائيات لدى السلطات المحلية التي اتهمتها بالعجز التام في تسيير الملف الذي بلغ مستويات دنيا، داعين إلى ضرورة نزع المدارس الابتدائية من وصاية البلديات العاجزة عن توفير كافة الإمكانيات الضرورية للمتمدرسين، معبرة عن استيائها لقرار الوزارة الأولى الذي قضى في قانون البلديات الجديد بالإبقاء على وصاية البلدية على هذه المؤسسات رغم إفلاس أغلبيتها وتورطها في النقائص المسجلة على غرار غياب النقل المدرسي، الاكتظاظ بالأقسام والتدفئة بسبب عجز المجالس الشعبية عن حلها، رغم الاهتمام الكبير الذي توليه وزارة التربية ومديرياتها التي تخصص كل سنة ميزانية معتبرة لأجل توفير كل الإمكانيات والخدمات اللائقة للتلاميذ، غير أن الواقع لا يزال بعيدا كل البعد عن تطلعات التلاميذ والأولياء.

ربورتاج: إسراء. أ