في اليوم العالمي للأطفال المختفين

اختطاف الأطفال في الجزائر يُرجع المطالبة بعودة حكم الإعدام إلى الواجهة

اختطاف الأطفال في الجزائر يُرجع المطالبة بعودة حكم الإعدام إلى الواجهة

تعاني الأسر الجزائرية، منذ عدة سنوات، كابوسا مرعبا اسمه اختفاء الأطفال، الذي تمثل في حالات من الرعب تترجم في مسلسلات وحوادث متنوعة عنوانها “خروج الأطفال من البيوت دون رجعة” أو اختفاء فلذات الأكباد الذي يوضع في غالب الأحوال تحت عنوان “اختطاف الأطفال”، هذه الظاهرة التي لطالما اعتبرناها غريبة ودخيلة على مجتمعنا، عادت بقوة إلى واجهة الجرائم واكتسحت الشارع الجزائري مؤخرا، حتى أصبحت هاجسا يؤرق الأولياء، كما تصدرت أحداثها عناوين الصحف وتناولتها مختلف الوسائل الإعلامية، سواء بتحليل الظاهرة ومسبباتها أو تناول التقارير الأمنية التي ركزت مؤخرا على ظاهرة الاختفاء والاختطاف.

ويعود الحديث اليوم عن هذه الظاهرة تزامنا مع إحياء أكثر من 20 دولة حول العالم، اليوم العالمي للأطفال المفقودين، ويهدف إحياء هذا اليوم إلى تذكر الأطفال المفقودين الذين نجحوا في العودة إلى منازلهم والأطفال الذين سقطوا ضحايا لجرائم، وكذلك إرسال رسالة أمل من أجل التأكيد على ضرورة مواصلة الجهود للعثور على الأطفال المفقودين.

 

أسماء رسخت في ذاكرة الجزائريين

تتزايد حالات اختفاء الأطفال في الجزائر، بعضهم جرى العثور عليهم، فيما البحث جارٍ عن البقية. من ذلك اختفاء الشقيقتين شهيناز (14 سنة)، وآية (13 سنة)، من منطقة خرايسية في الضاحية الغربية للعاصمة الجزائرية. بقيت الفتاتان طوال أيام مختفيتين قبل العثور عليهما وإعادتهما إلى ذويهما. وهناك حادثة اختفاء الطفل أنس (14 سنة)، الذي عثر عليه مزارع، أوصله الى مصالح الدرك الوطني، واتضح لاحقاً أنّه هرب من المنزل. كذلك، اختفت في الفترة نفسها الطفلة ريتاج بن حوى (6 سنوات)، عندما كانت مع عائلتها قرب شاطئ البحر، والتي يرجح أن تكون ضحية اختطاف. أما آخر حالة اختفاء فتخص الطفل محمد بوسيف البالغ من العمر 13 سنة، وهو تلميذ بالمرحلة المتوسطة، اختفى عن الأنظار بعدما خرج من مقر سكناه الكائن بقرية الضواوقة التابعة لبلدية بئر حدادة بولاية سطيف، لأداء صلاة التراويح في المسجد القريب من الحي، ومن ساعتها لم يعد إلى البيت مخلفا حيرة وسط أفراد عائلته، الذين بحثوا عنه في أرجاء القرية، من دون أن يعثروا له على أثر. وبدأت رقعة الحيرة تتسع بعدما قضى الطفل ليلته الأولى بعيدا عن المنزل، لتتحول حادثة اختفائه إلى قضية رأي عام في الولاية، تفاعل معها سكان المنطقة الذين نظموا حملات بحث عن محمد في الغابات والمناطق النائية والمهجورة. كما تم نشر صورة الطفل عبر صفحات الفايسبوك، لكن كل هذه التحركات لم تأت بالجديد.

وتزامن ذلك مع التحريات التي باشرتها عناصر الدرك الوطني لبلدية بئر حدادة التي بلغتها شكوك حول جار الضحية البالغ من العمر 30 سنة، الذي شوهد رفقة الطفل في ليلة اختفائه. وعند الاستماع إلى أقوال المشتبه فيه أنكر في البداية أن يكون له أي اتصال مع الطفل المختفي، لكن بعد مواجهته بالأدلة، اعترف المتهم بإقدامه على قتل الطفل محمد ودفنه بالقرب من مقبرة علي بوشارب الكائنة ببلدية عين الحجر على بعد حوالي 11كلم عن مقر سكن الضحية.

وبحسب المعلومات الأولية، فإن الطفل تلقى ضربات بآلة حادة على الرأس كانت وراء وفاته، ليقوم المتهم بنقل جثة الطفل إلى الأرض المحاذية للمقبرة، أين حفر حفرة، وقام بدفنه لإخفاء آثار الجريمة. وبعد الاستماع للمتهم بمقر الدرك الوطني اعترف بتفاصيل الجريمة، ودلّ عناصر الدرك الوطني على مكان دفن الجثة، فتنقلت فرقة مختصة رفقة رجال الحماية المدنية وتم استخراج جثة الطفل بحضور أعوان الشرطة العلمية.

وقد نزل خبر مقتل الطفل محمد كالصاعقة على أفراد عائلته وكل سكان بئر حدادة، الذين توافدوا على سكن الضحية وسط حيرة كبيرة وصدمة عنيفة لم تعهدها هذه المنطقة الآمنة، ولم يكن أحد يتصور هذه النهاية المأساوية لمحمد، المعروف وسط أترابه بطيبته وحسن الخلق واجتهاده ومداومته على صلاة التراويح، وكان يعشق كرة القدم ولم تعرف عنه أي خلافات مع جيرانه، في الوقت الذي تتحدث بعض الأوساط عن خلاف بين المتهم ووالد الضحية، حول قطعة أرض ما زالت محل نزاع بين الطرفين.

وبالتزامن مع إعادة هذه الحوادث وغيرها ذكريات مريرة عاشها الجزائريون سنة 2012 التي شهدت أبشع عمليات خطف وقتل للأطفال، فإنّها تطرح احتمالين، الأول الاختفاء الطوعي وهروب الأطفال من البيوت لأسباب عدة ترتبط سواء بالمشاكل العائلية أو الخوف من تداعيات الإخفاق المدرسي. والثاني الخطف بنية الاغتصاب أو القتل أو غيرهما مع الابتزاز المالي للعائلات في بعض الأحيان، ويرتبط هذا الاحتمال أحياناً بالأنترنت والاستخدام السيئ لمواقع التواصل الاجتماعي، إذ تنشط عصابات لاستدراج القصّر لا سيما الفتيات.

 

الخلافات العائلية والشذوذ أهم أسباب افتراس الطفولة

وحسب المختصين في علمي النفس والاجتماع، فإن ظاهرة اختطاف الأطفال تعرف منذ سنة 2000 تناميا خطيرا بالمجتمع الجزائري يستدعي دق ناقوس الخطر لاسيما عندما يكون مصير هذه البراءة الموت وبأي شكل …اغتصاب وتنكيل بالجثث بدون أي رحمة ولا شفقة .

ويقول هؤلاء المختصون إن العمليات الإجرامية هذه تكون غالبا لأسباب عديدة أبرزها الدافع الانتقامي وذلك نتيجة نزاع بين طرفين وهنا الثأر يكون بالاختطاف، ومن الأمثلة التي سجلت مؤخرا أن أطراف النزاع تربطهم صلة قرابة .

إلى جانب ذلك يكون سبب الاختطاف في كثير من الأحيان الدافع الجنسي، حيث تم العثور على جُثث أغلب المعتدى عليهم جنسيا أو مشوهة، حتى لا يُتمكن من التعرّف على الفاعل، الذي غالبا ما يكون قريبا أو جارا أو مجنونا

وهناك فرضية أخرى يتحدث عنها الشارع لكن المصالح الأمنية نفتها جملة وتفصيلا وهي أن يكون الاختطاف بهدف المتاجرة بأعضائهم البشرية لأغراض طبية أو لممارسة طقوس الشعوذة.

 

المختصة النفسية تاكليت: “أسباب نفسية ومادية وراء انتهاك براءة الأطفال في الجزائر”

ولتقصي أسباب الانتشار الرهيب لظاهرة اختطاف الأطفال في الجزائر، قالت المختصة النفسية السيدة “تاكليت.ك”، إن لاستفحال هذه الظاهرة في مجتمعنا عدة دوافع، أهمها الدافع الانتقامي ويكون بين طرفين متنازعين، ويكون الهدف هنا هو الثأر، ويمكن أن يكون في حالة الطلاق أو في حالة الزواج المختلط، بقيام أحد الأطراف بخطف الأولاد والعودة بهم إلى بلده وحرمان الآخر منهـم.

وبالموازاة، أوعزت العديد من حالات الاختطاف إلى أسباب مادية، عن طريق طلب الفدية، بالنظر إلى الأوضاع المتأزمة التي يعيشها المجتمع الجزائري.

ويندرج في هذا الإطار أيضا المتاجرة بالأعضاء البشرية، سواء لأغراض طبية أو من أجل الشعوذة، وفي هذا السياق، تم اكتشاف جثث لأطفال استؤصلت أعضاؤهم، وهذا النوع من العمليات يتطلب دراسات وإمكانيات كبيرة، لذا فهي تدخل في إطار الجريمة المنظمة.

 

المحامي سمير إيزا : “عقوبة الخاطف تكون حسب ما قام به أثناء الاختطاف “

أما عن الجانب القانوني، فقد صرح الأستاذ سمير إيزا في اتصال هاتفي مع “الموعد اليومي” وفي سؤالنا عن عقوبة هروب الطفل أو اختطافه، أكد لنا محدثنا أن العقوبات في هذا المجال واسعة جدا ومختلفة باختلاف سبب اختفاء الطفل، فالطفل الذي يهرب ويرتكب جريمة ما، فإنه يقبض عليه ويعاقب بما تستدعيه فعلته وما ينص عليه قانون العقوبات الخاص بالأحداث، أما إذا هرب ولم يرتكب أي فعل أو جريمة، فإن قاضي الأحداث سيتدخل إذا ألقي عليه القبض ويسلمه لوالديه، وهذا التسليم – حسب نفس المتحدث – يعتبر عقوبة في حد ذاتها وأما إذا كان الاختفاء بسبب الاختطاف، فإن القانون يعاقب على الاختطاف لكونه اختطافا فقط، أما إذا كان الاختطاف من أجل سرقة الأعضاء البشرية أو الاعتداء الجنسي أو غيرها من الجنح أو الجرائم، فإن العقوبة تكون بحسب الفعل الممارس مع الاختطاف فتكون التهمة المنسوبة – إضافة إلى الاختطاف –هي ما يحدد العقوبة، كما أشار الأستاذ سمير إيزا إلى اختفاء بعض الأطفال بعد قيام أحد الوالدين بعد الطلاق باختطافهم ، وهذا ما يحدث خاصة بالنسبة للمتزوجين بالأجانب .

وفي سؤالنا إن كانت القوانين والعقوبات المسلطة غير الردعية هي التي تكمن وراء الظاهرة، أكد لنا المحامي أن القانون الجزائري ردعي لكن هناك الكثير من الأسباب والظروف الاجتماعية هي التي تنشئ الظاهرة، كما أن هناك بعض الأشخاص مجرمون بالفطرة، فرغم الظروف المعيشية الحسنة إلا أن نزعة الإجرام لديهم قوية وهذا ما يفسره ما تطالعنا به الصحف من أخبار سواء هروب القصر أو اختطافهم.

 

الباحث في العلوم الإسلامية الأستاذ فاتح بوزكريا:

“التعامل مع الخاطف لابد أن يكون بقسوة تماثل قسوته عند اختطافه طفلا بريئا”

قال الأستاذ فاتح بوزكريا الباحث في العلوم الإسلامية إن اختطاف الأطفال الأبرياء يستحق عقوبة لا تقل عن حد الحرابة في الإسلام نكالا على ترويعه العائلة والمجتمع بخطف الطفل البريء والإسلام لا ينتظر حتى يصير اختفاء الأطفال ظاهرة، وإنما يكفيه أن يشتكي فرد واحد من ضرر حتى يجد له العلاج المناسب، كما أشار الأستاذ فاتح بوزكريا إلى أن الدين الإسلامي حرص حرصا شديدا على ضرورة تهيئة الجو لتربية الطفل تربية سليمة و طيبة، مؤكدا أن التعامل مع المذنب في حق الطفل يجب أن يكون بقسوة تماثل تلك التي ألحقها بالطفل وعائلته، وأكد الأستاذ أن من استهدف طفلا كأنما استهدف مجتمعا بأكمله، معتبرا أن جريمة الاختطاف من أكبر الجرائم لأن أخف شيء يرتكبه الخاطف هو إخراج الطفل من حضن عائلته، أما أكبر شيء فلا يعد ولا يحصى سواء القتل أو سرقة أعضائه أو الاعتداء الجسدي عليه.

لمياء. ب