احتفالا بحلول فصل الربيع.. طقوس احتفائية تزينها “المبرجة” و”الرفيس”

احتفالا بحلول فصل الربيع.. طقوس احتفائية تزينها “المبرجة” و”الرفيس”

“شاو الربيع الربعاني.. كل عام تلقاني في الفيلاج الفوقاني”، كلمات ترددها العائلات البرايجية والسطايفية للاحتفال بقدوم فصل الربيع، وإقامة ما يسمى بـ “شاو الربيع”، وتعني بداية ودخول الربيع ونهاية فصل الشتاء القارس، بعد سقوط الأمطار الكثيرة والثلوج، التي حرمت الكثير من العائلات من الخروج والتنزه، بسبب سوء الأحوال الجوية، وتقيم ولايتا سطيف وبرج بوعريريج التظاهرة، بداية ربيع كل سنة.

يكون الاحتفال بفصل الربيع في ثلاث جمعات، إذ تنطلق بداية من الجمعة الأولى من شهر مارس، وهي تظاهرة محلية ذات امتداد لعادات وتقاليد عريقة متجذرة عند العائلة الجزائرية في الشرق الجزائري خاصة لاسيما البرايجية والسطايفية، فمنذ زمن طويل، اعتاد جميع أفراد العائلة الخروج إلى المناطق الخضراء الشاسعة، ومعهم أكلات وحلويات معدة خصيصا للاحتفال بفصل الربيع، ولمعرفة عادات وتقاليد الاحتفال في هذا الشأن، اقتربنا من العائلات وعرفناها.

“قفف” الربيع.. ميزة الاحتفال

تحتفل العائلات السطايفية والبرايجية بدخول فصل الربيع في كل شهر مارس، وخاصة بحلول اليوم الحادي والعشرين منه، باعتباره يوم الدخول الرسمي لهذا الفصل الذي تتفتح فيه الأزهار وتزهو فيه المنتزهات بالورود، ويغمر الاخضرار العديد من المناطق، حيث تخرج العائلات مع أبنائها للحقول والبساتين احتفالا بهذه المناسبة في جو بهيج تغمره أجواء الفرحة.

وقد توارث سكان الولايتين عادة الاحتفال بفصل الربيع عن آبائهم وتتجلى أهم مظاهر الاحتفال بتزيين واجهات محلات المواد الغذائية بداية من الأيام الأخيرة من شهر فيفري بـ “قفف الربيع”، كما يسميها أهل المنطقة، وهي “قفف” خاصة جدا لا تجدها إلا في مثل هذه المناسبات.

كما تتزين المحلات بالحلويات ذات الأشكال والأنواع المختلفة وبعضها لا يصنع إلا احتفالا بقدوم فصل الربيع، على غرار حلوة “الكلخ”، وغالبا ما يجلب هذا الديكور المتميز الذي يضفي على المناسبة حلة خاصة جدا، كما تتسارع العائلات إلى اقتناء القفف والحلويات بشتى أنواعها، كما تقوم  السيدات بإعداد أطباق مختلفة مثل “قرصة الربيع” التي تتفنن أيادي السطايفيات والبرايجيات في صنعها، وتأخذ أشكالا هندسية متنوعة، حسب رغبة السيدة، وتحضر بمادة الدقيق وصفار البيض، إضافة إلى أهم وأشهر أنواع الأكلات التقليدية التي يتم إعدادها خصيصا لهذه المناسبة وهي “المبرجة”، وتصنع هذه الأكلة من “الغرس”، وإلى جانب “قرصة الربيع” و”المبرجة نجد  “الرفيس” الذي يصنع من الدقيق ومعجون التمر والزبدة .

ويتم تجميع كل هذه الحلويات والأطباق المختلفة داخل القفة ويخرج بها الأطفال مع عائلاتهم إلى الحدائق والمساحات الخضراء .

عائلات تنهض باكرا للخروج وأخرى تخرج بعد الظهر

هناك من العائلات من يخرج أفرادها لاستقبال “شاو الربيع” في الصباح الباكر، لتحضير كل مستلزمات اليوم، لأن موعد الرجوع إلى المنزل يكون في المساء، بالتالي لابد من تحضير الزاد المتمثل في الخبز والماء والجبن والزيتون، أي وجبة باردة، وهناك من يشتري السمك أو اللحم ويقوم بشيه في الغابة، وكذلك “المبرجة” والبرتقال والحلويات المتنوعة، وقبل هذا كله، تقوم الأم بتحضير البيض المسلوق، وكل فرد في العائلة يتحصل على نصيبه، إذ يقوم بتوزيعه الأب على أولاده، ويتحصل كل فرد على قطعة واحدة من “المبرجة”، وحبة برتقال وبيضة وحلويات، وفي بحثنا حول سر اختيار البرتقال بدل الموز والتفاح، وجدنا إجابتين؛ الأولى أن البرايجيين لم يعرفوا الموز والتفاح قديما، عكس البرتقال الذي هو منتوج جزائري موجود بوفرة منذ زمن، بالتالي كان التقليد أكل البرتقال بحلول الربيع، أما الجواب الثاني، فهو أن البرتقال يحتوي على فيتامينات النشاط والحيوية، وهو فيتامين “ج” الذي يجعل الفرد يستقبل الربيع في نشاط دائم.

“المبرجة” سيدة الطعام وبدونها لا يحلو المقام

“المبرجة” أو “البراج”، كما يحلو للكثيرين تسميتها، هي أهم ما يميز الربيع في منطقة برج بوعريريج، وهي عبارة عن قرص من دقيق القمح الصلب، تحشى بالتمر المعجون وتقسم إلى مربعات صغيرة، تطهى في طاجين على نار هادئة، إلى جانب “الرفيس” الذي لا يختلف كثيرا عن “البراج”، والذي تحمص فيه حبات الدقيق الخشن على النار، حتى يتحول لونها إلى ذهبي، وتخلط بالتمر المعجون مع الزبدة وتوضع في قالب خاص، فلا تستغني عائلات البرج عن هذه الأطباق التي تميز هذا اليوم، إلى جانب “القرص” وهو أشبه بـ “الكسرة”، التي تدهن بصفار البيض لتبدو صفراء كصفرة أزهار النرجس، وتوضع في سلال صغيرة خاصة بالأطفال، مع حبات البرتقال والتمر وحلويات خاصة بالربيع.

وللبنت المتزوجة نصيبها

لا تغفل العائلات البرايجية عن نصيب بناتها المتزوجات من احتفاليات الربيع، حيث تسرع الأمهات عادة إلى تحضير “المبرجة” و”الرفيس”، ويجد الرجال في اقتناء حلوى الربيع والبرتقال والتمر، لتأخذه الأم إلى جانب الوالد إلى ابنتهما، متباهين أمام أهل زوج ابنتهم بما جلبوه لها، وتقوم بدورها بتوزيع جزء منه على الجيران، كما تحرص الأمهات على صنع “القرص” لكل أحفادها، ولا تنسى بعض العائلات نصيب أبنائها الذين يؤدون الخدمة الوطنية، أو الذين يعملون في سلك الأمن بعيدين عن منازلهم، حيث يحتفظون بنصيبهم من “البراج” و”الرفيس”، ويأخذونه في القفة إلى الثكنة التي يقيم بها ابنهم الغائب.

ربيع اليوم والأمس

بمرور السنوات والتطور الحاصل في يومنا هذا، يختلف “شاو الربيع” بين الأمس واليوم، ويكمن التباين في تنوع الحلويات، فهناك حلويات لا يمكن عدها ولا نعرف حتى تسميتها، إلى جانب الفواكه، على غرار التفاح والموز، وحتى العنب والأناناس التي دخلت في مراسم الاحتفال بهذه المناسبة، كما أن الأطفال والفتيات كانوا في السابق يحملون أكياسا، والآن أصبحت تصنع لهم قفف ملونة تحمل اسم “باربي” و”فُلَة”، هذا عن ربيع اليوم، ففي ربيع الأمس، كانت العائلات تكتفي بـ “المبرجة” والبرتقال والبيض المسلوق، في جو من التضامن والحب بين العائلات، ويتجلى ذلك في تبادل “المبرجات”، مقتنعين بالقليل وما فيه من بركة، فيما تقوم السيدات بجلب بعض الخضر من الحقول والمعروفة باسم “البقول”، وهي الظاهرة التي انعدمت مؤخرا، كون النساء الكبيرات في السن قليلات جدا، بالتالي ليس هناك من يعمل على نقل هذا الموروث للأجيال المتعاقبة، كما أن جيل اليوم يبحث عن الموضة ومسايرة التطور التكنولوجي.

للإشارة، فإن العائلات السطايفية والبرايجية تجمعها نفس الطقوس، للاحتفال بفصل الربيع الذي لطالما امتاز باعتدال جوه وجمالية مناظره، حيث تخرج العائلات، خاصة الأطفال الصغار، إلى الحدائق والمساحات الخضراء في أوائل شهر مارس.

الاحتفال بالربيع عادة متجذرة في الأعماق

أجمع سكان المنطقتين على أن الاحتفال بهذه المناسبة قديم جدا وضارب في جذور تاريخ المجتمع الجزائري، حيث عرفوا هذه الاحتفالات منذ صغرهم وورثوها عن أجدادهم، كما أكد لنا البعض ممن تحدثنا إليهم أن يوم الاحتفال بقدوم الربيع يختلف من قرية لأخرى، كما تختلف مظاهر الاحتفال من قرية إلى أخرى خاصة وأن مساحة الولايتين شاسعة جدا .

مع الإشارة إلى بعض التغيرات التي مست الاحتفال، فقفف الربيع مثلا، كانت تصنع بمادة الحلفاء، وعند حلول يوم الربيع لا يتم ملؤها سوى بقرصة الربيع والبيض، إلى جانب حبة برتقال، أما حاليا فتطورت الأمور في الاحتفال بهذه المناسبة، فالقفة الحالية أصبحت تحمل عدة أشكال وأنواع، ويتم ملؤها إلى جانب “قرصة الربيع” بأشهى الحلويات العصرية، والشوكولاطة، على شكل بيضة عوض البيضة العادية التي كانت توضع في القفة. وبالرغم من تكلفة قفة الربيع ومحتوياتها التي تصل إلى 800 دينار، فإن العائلات لا تفوت فرصة اقتنائها لإحياء هذه المناسبة التي تضرب جذورها في المجتمع.

لمياء بن دعاس