تبني مجلس الأمن الدولي، بأغلبية ساحقة، قراراً يدين الاستيطان ويطالب بوقفه في الأرض الفلسطينية المحتلة، جمهورية مصر في موقف محرج، لا سيما أنها سحبت القرار بعد ضغوط إسرائيلية أمريكية، الأمر الذي جعل أربع دول صديقة لفلسطين (السنغال ،ماليزيا ،فنزويلا ونيوزلندا) تقدم مشروع قرار ضد الاستيطان لمجلس الأمن الدولي للتصويت عليه؛ بعد رفض مصر إعادة طرحه من قبلها.
ولأول مرة منذ 36 عاماً، صوت 14 عضواً في مجلس الأمن لصالح القرار، في حين امتنعت الولايات المتحدة الأمريكية وحدها عن التصويت، دون أن تستخدم حق النقض (الفيتو)، وهو ما اعتبره مسؤولون إسرائيليون تحولاً في الموقف الأمريكي._الرئاسة الفلسطينية عبّرت عن تقديرها الكبير لتصويت مجلس الأمن لصالح قرار يدين الاستيطان الإسرائيلي، واعتبرت ذلك “صفعة كبيرة” للسياسة الإسرائيلية.الصفعة، كما يقول محللون انتقدوا خطوة مصر الرافضة لطرح مشروع القرار.وفي السياق أكد رياض المالكي وزير الخارجية الفلسطيني، أن قرار عدم تقديم ملف “إدانة الاستيطان” لمجلس الأمن الدولي من قبل مصر في اللحظة الأخيرة كان مفاجئاً للغاية، ولم يتم بالتشاور مع الفلسطينيين.وقال المالكي، إن “مصر لم تتشاور معنا في هذا القرار المفاجئ، وبعد أن كنا نعتقد أنه انتصار لفلسطين وعودة حق من حقوقها، يمكن أن نسيمه الآن “انتحاراً”.وذكر أن القيادة الفلسطينية ستجري اتصالات مع مصر والدول العربية للوقوف عند هذا القرار، ومحاولة التباحث في الأسباب التي دفعت القاهرة للإقدام على تلك الخطوة التي فاجأت الجميع. حالة “الإحباط والغضب” الفلسطينية من القرار المصري الأخير “الصادم”، لم تكن مسيطرة فقط على السياسيين والدبلوماسيين، بل انتقلت إلى الشارع الفلسطيني، وساحة مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يتوقف الغضب من القرار الفلسطيني عند الفلسطينيين فقط، بل وصل إلى مجلس الأمن نفسه؛ حين أبلغت كل من نيوزيلندا وفنزويلا وماليزيا والسنغال، مصر بأنها إن لم توضح ما إن كانت تعتزم الدعوة لإجراء تصويت على مشروع قرار يطالب إسرائيل بوقف البناء الاستيطاني فإن هذه الدول تحتفظ بحق طرح هذه الدعوة. بدوره أكد القيادي في حركة حماس، فتحي القرعاوي، أن القرار المصري بتجميد تقديم قرار “إدانة الاستيطان” لمجلس الأمن للتصويت عليه كان بمثابة طوق النجاة لإسرائيل، وفي الوقت ذاته أصاب الفلسطينيين بـ “الصدمة وخيبة الأمل” الكبيرتين.يذكر ان بعد الانسحاب المصري تبنّت كل من فنزويلا والسنغال ونيوزيلندا وماليزيا تقديم مشروع القرار، بدلاً من القاهرة ، ويحتاج أي مشروع قرار لأصوات تسع دول من أصل 15 دولة عضواً في مجلس الأمن كي يتم تبنيه، شريطة ألا تستخدم أي من الدول الخمس دائمة العضوية حق النقض (فيتو) لمنعه.ويطالب مشروع القرار رقم 2334 بوقف فوري لكافة الأنشطة الاستيطانية في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية. كذلك ينص على “أن المستوطنات ليس لها أي شرعية قانونية وتعتبر انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي”.. وبالتالي فإن القرار يضع إسرائيل في موقعها الطبيعي، ومن شأن القرار أن يصبح قاعدة لفرض عقوبات ومقاطعة على إسرائيل. وتعتبر أوساط فلسطينية أن ما جرى في مجلس الأمن هو أن قضية فلسطين هي قضية الإنسانية جمعاء. ورأت الأوساط أن الموقف الأميركي حمل ثلاث رسائل؛ أولها تتمثل في أنه يجب تجميد الاستيطان، وثانيها أن المستوطنات ليست ضرورية لأمن اسرائيل. أما الرسالة الثالثة فهي عدم وجود أي شرعية للمستوطنات. إلى ذلك، قالت سفيرة الولايات المتحدة لدى مجلس الأمن، سامنثا باور، إن بلادها لم تصوت لصالح القرار لأنه يتعامل حصرياً مع موضوع المستوطنات. ووصفت باور عدم استخدام بلادها لحق النقض (الفيتو) بأنه كامتثال لمواقف الولايات المتحدة الثابتة من الاستيطان والمعارضة له. وأكدت أن بلادها ما كانت لتسمح بالمشروع لو شعرت بوجود آثار سلبية ضد إسرائيل. كما أكدت من جهة أخرى أن سياسات الاستيطان تقوض “حل الدولتين”.أما السفير الفرنسي بمجلس الأمن، فرنسوا دلاتر، فقال تعليقا على تبني مجلس الأمن للقرار “اعتماد مشروع قرار اليوم يمثل يوماً تاريخياً ومهماً في تاريخ مجلس الأمن وهو أول قرار يعتمده هذا المجلس منذ ثماني سنوات، بشأن تسوية النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. وبهذا يعترف المجلس أن المستوطنات تقوض حل الدولتين ومن الضروري أن يذكر مجلس الأمن التزام المجتمع الدولي بشكل كامل بحل الدولتين”. وانتقد دلاتر “توسع المستوطنات إلى ما وراء الخط الأخضر والنقل القسري للسكان وتدمير المباني والحد من القدرة على الحركة”، معتبراً ذلك “سياسة غير قانونية بموجب القانون الدولي”.ويعتبر مشروع القرار أن الأنشطة الاستيطانية هي السبب في تعثر حل الدولتين. ويدعو مشروع القرار إلى اتخاذ خطوات عملية فورية لعكس الأوضاع السلبية على الأرض الناتجة عن الأنشطة الاستيطانية.وترى أوساط مراقبة أن للقرار أهمية كبرى، فالأمر الجوهري أنه يعتبر الاستيطان غير شرعي، وغير قانوني وفي السياق أكد الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، أن قرار مجلس الأمن الدولي بإدانة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، والمطالبة بوقفه هو “صفعة كبيرة للسياسة الإسرائيلية”. وقال أبو ردينة إن “قرار مجلس الأمن صفعة كبيرة للسياسة الإسرائيلية وإدانة بإجماع دولي كامل للاستيطان ودعم قوي لحل الدولتين”.من جهته، قال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، إن تبني مجلس الأمن الدولي قرار وقف الاستيطان هو انتصار للأمل والسلام، مشدداً على أن السلام يتحقق بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.وأضاف عريقات، أن القرار تاريخي ويعتبر من أهم الوثائق الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، معرباً عن شكره لمجلس الأمن الدولي ولكافة من صوت لصالحه.