ومن دلائل ربوبية الله تعالى، وقدرته على خلقه، وحكمته عز وجل في تدبيره؛ تقلب أحوال الناس من شدة إلى رخاء، ومن رخاء إلى شدة، ومن ضعف إلى قوة، ومن قوة إلى ضعف، وله سبحانه ألطاف لا يدركها خلقُه، وحِكَمٌ يجهلونها؛ لذا يكثر فيهم اللَّومَ والتَّسخُّط، ويقِلُّ فيهم الرضا والشكر، لذا قال الله تعالى: ” وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ” سبأ: 13. ومن سننه جل وعلا أن جعل الفرج مع الكرب، واليسر مع العسر، ويُخرِجُ من المِحَنِ مِنَحًا، وتلك السُّنةُ تُربي الخلقَ على القُرْبِ من الله تعالى. ولقد ذكر الله ذلك في كتابه، فقال تبارك وتعالى: ” سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ” الطلاق: 7، وقال جل وعلا: ” فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ” الشرح: 5، 6، وجاء في الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه: ” لو كان العُسْرُ في جُحرٍ لتَبِعَهُ اليُسْر، حتى يَدخُلَ فيه فَيُخْرِجَه، ولن يغلِبَ عُسرٌ يُسرَيْن”.
فكُلُّ كَرْبٍ ينزِلُ بالمؤمنِ فإنَّ مَعَهَ فَرَجًا لا محالة، وكلُّ عُسرٍ يُصِيبُه فإنَّ مَعَهُ يُسرا، ومن عَلِمَ ذلك وأَيقَنَ به فلن يُسْلِمَ قَلْبَهُ لليأسِ والقُنُوط، ولن ينسَى الخالقَ سبحانه ويركَنَ للمخلُوق، ولن يُعَلِّقَ قَلبَهُ بغيرِ الله تعالى، ويؤكدُ ذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله: “وإن الْفَرَجَ مع الْكَرْبِ وإن مع الْعُسْرِ يُسْراً”. فإذا نزلتِ النوازلُ بالناس، واشتدَّ البأسُ بهم وظنُّوا الهلاكَ، أسعَفَهُمُ اللهُ تعالى باليُسر، ودَفَعَ عَنهُمُ البَلاءَ، ورَفَعَ عنهم المحنة، وتلك سنةُ الله تعالى مع رُسُلِه وأوليَائِهِ المؤمنين، كما قال تعالى عن السابقين منهم: ” مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ” البقرة: 214، وقال في آيةٍ أخرى: ” حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ” يوسف: 110.