إن في ذلك لعبرة لمن يخشى

إن في ذلك لعبرة لمن يخشى

عندما نقرأ القصص الواقعية التي تعرض لحياة بعض الناس والمجتمعات أو نسمعها مروية من غيرنا، يظهر لنا واضحًا أن الأسباب والنتائج متصلة، وأن طريقة حياة الإنسان واختياراته هي التي تحدد كثيرًا مما يتعرض له. نرى الذي أفلس؛ لأنه لم يتقِ الله أو تعدَّى على الحقوق وحرمها أصحابها، نرى عاقَّ والديه يصاب بالأمراض وعقوق الأبناء، نرى أثر المال الحرام في ضياع الدين وحرمان التوفيق، ونتأكد من الوقائع العملية كيف يكون الكسل والخمول واللهو سببًا في خسارة العمر والأوقات، نرى العثرات الصغيرة وكيف تسبب للإنسان مطبات تصيبه بالضيق والقلق والألم. إن في بعض مصائبنا رسائل تذكيرية أن ننتبه ونتوقف ونستغفر ونصلح ما قد فسد من الأعمال والأفكار والنيَّات، فالمقصود إذن هو الاعتبار الذي حثَّنا الله عليه وأمرنا به في كتابه ” إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى ” النازعات: 26، والاعتبار لا يكون بالغير فقط، بل بأنفسنا وما يقع عليها ومنها مجال واسع كذلك للاعتبار وأخذ العظة والفهم، وهذا ما تعلمنا إيَّاه آيات ربنا ” أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ” آل عمران: 165.

فأخذ العبرة مما يمرُّ بالإنسان، ومما يراه في واقعه مما يقع لغيره ومن المجتمعات، بل من الأمم كافة ومن تاريخها الماضي كذلك لهو مطلوب الله منا حثتنا عليه آياته ولفتتنا إلى أهميته “فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ” الحشر: 2، فما الآيات التي نزلت تعقيبًا على بعض مواقف المجتمع النبوي وآيات الدعوة للتفكر في عواقب الأمم السابقة إلا من أجل المراجعة ومحاسبة النفس والانتباه الدائم للأفكار والقيم والسلوكيات التي نسير بها في الحياة. وإذا كان هناك من ينتبه ويعرف أثر خطواته وأفكاره وقيمه على نفسه وحياته وعلى الآخرين، وتلك نعمة اليقظة والاتعاظ بالنفس، لكننا في الغالب لا نجد ذلك الاتعاظ واقعًا، ولا تجد النفس أثره إذا كان الإنسان غافلًا لا يراجع نفسه ولا يحاسبها على أخطائها، ويكتفى إما بمحاسبة الآخرين أو الذهاب إلى أقصى الطرف الآخر وهو لوم النفس وتقريعها الدائم وجلدها بالمشاعر السالبة حتى تفقد بريقها ورغبتها في الإصلاح والانتباه والنهضة من عثراتها. وإن أخذ العبرة والدروس من حياتنا كأفراد مما يعين المجتمع على المدى البعيد إذا كنا نرجو له صلاحًا ونريد أن ننفع أمتنا ونعيد لها دورها في النفع والإصلاح والتأثير؛ لذلك فإن أفضل ما يمكن أن نسديه إلى أنفسنا من خير أن تكون لنا وقفات ومراجعات في اليوم وفي الشهر وفي العام وفي مراحل العمر المختلفة، ولعل التدوين أو المناقشة مع من نثق بهم مما يعين على ذلك. ولا ينبغي أن نهمل أوقات الخلوة مع النفس والتأمل في مساراتها حتى تعتاد النفس على ذلك فلا تستثقله وتتهرب منه؛ بل يصبح خلقًا وعادةً أن ندرس أحوالنا ونعتبر بها، نسدد صوابها ونصحح خطأها فنستعيد ثقتنا بفهمنا وطريقنا ونفيد من خيره غيرنا.

 

من موقع الالوكة الإسلامي