في غرفة رثة فوق سطح أحد المنازل، عاشت أرملة فقيرة مع طفلها الصغير حياة بسيطة في ظروف صعبة، فقدت تلك الأسرة الكثير من مقومات الحياة، لكنها وُهِبت نعمة الرضا والقناعة؛ جاء فصل الشتاء بأمطاره الغزيرة يشكل هاجسًا مقلقًا لهم، فالغرفة عبارة عن أربعة جدران لا سقف لها، ولها باب خشبي متهالك، وكان قد مر على الطفل خمس سنوات منذ ولادته لم تتعرض المدينة خلالها إلا لزخات بسيطة من المطر، وفي تلك الليلة تجمعت الغيوم، وامتلأت السماء بالسحب الداكنة، ومع ساعات الليل الأولى هطل المطر بغزارة شديدة، نظر الطفل إلى أمه نظرة حائرة، وارتمى في أحضانها بثيابهما المبللة، والطفل ينتفض كالعصفور العاجز. أسرعت الأم إلى باب الغرفة فخلَعته ووضعته بشكل مائل على أحد جدران الغرفة، واختبأت هي وطفلها الصغير تحته ليحتموا من زخ المطر المنهمر، وعندما ذهبت روعة الموقف، نظر الطفل إلى أمه وعلى محياه ضحكة صافية، وقال: يا أُماه الحمد لله أن عندنا بابًا، ترى ماذا سيفعل الفقراء الذين ليس عندهم باب حين ينزل عليهم مثل هذا المطر.
إن فطرة هذا الصغير لا زالت سليمة، ولأن إحساسه لا زال مرهفًا، فقد أمكنه أن يستمتع بما وهبه الله من النعم، وأن يشعر تجاهها بالغبطة والرضا، لكن لأن كثرة المساس تذهب بالإحساس، فإن كثيرًا من الناس لا يستمتع بما وهب من النعم. أليس من السعادة أن ينطلق المرء من بيته معافًى في جسده، سليمًا في عقله، متمتعًا بجوارحه، يسعد باستنشاق الهواء، وشرب الماء، والنظر إلى السماء يسعد بانطلاق لسانه، ويديه القويتين والعافية تدب في عروقه وأنحاء جسمه، ويسعد بحُسن تفكيره، ورجاحة عقله، وقدرته على التصرف، يسعد بأولاده، بإخوانه، بأخواته، بزوجته، بأمه، بأبيه، بكل ما حوله، أليست هذه كلها سعادةً، وأي سعادة؟! ولو أن المرء حصر تفكُّره فيما وهبه الله تعالى من النعم، لَما نغص حياته بالنظر فيما عند الآخرين. جاء في الحديث أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: “من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافًى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها”. فيجب على الإنسان إذا أراد أن يسعد في حياته أن يعدِّد أشياءه الإيجابية، لا السلبية، وأن ينظر إلى مكاسبه لا إلى خسائره، وأن يتفاءل بالخير والفرج وتحسن الأحوال.
موقع إسلام أون لاين