إنها فلسطين، الأرض المباركة بنص كتاب الله، قال الله تعالى “سُبْحَانَ الذي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ” الإسراء: 1. وقال عز وجل “وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَـاهِرَةً” سبأ: 18. قال ابن عباس رضي الله عنهما “القرى التي باركنا فيها، هي بيت المقدس”. إنها فلسطين، أرض الأنبياء والمرسلين، فعلى أرضها عاش إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ويوسف ولوط، وداود وسليمان، وصالح وزكريا، ويحيى وعيسى عليهم الصلاة وأتم السلام. إنها فلسطين، أرض المحشر والمنشر؛ فقد روى الإمام أحمد بسنده عن ميمونة بنت سعد مولاة النبي قالت: يا نبي الله، أفتنا في بيت المقدس، قال “أرض المحشر والمنشر”. إنها فلسطين، موطن الكثير من صحابة رسول الله، فقد عاش على أرضها عبادة بن الصامت وشداد بن أوس وأسامة بن زيد بن حارثة وواثلة بن الأسقع وفيروز الديلمي ودحية الكلبي وعبد الرحمن وغيرهم من الصحابة الكرام رضي الله عنهم. إنها فلسطين، موطن الآلاف من أعلام الأمة وعلمائها الذي أضاءوا في سمائها بدورًا، ولمعوا فيها نجومًا؛ كمالك بن دينار والأوزاعي، وسفيان الثوري، وابن شهاب الزهري، والشافعي وابن قدامة المقدسي، وغيرهم.
نعم، هذه هي فلسطين بعَبَقِها وتاريخها، بخيراتها وبركاتها وفضائلها، بشموخها وكبريائها، نعم، هذه فلسطين ما أحببناها لترابها ولا لجبالها، ولكن لبركاتها وخيراتها، ولما لها ولمسجدها الأقصى من مكانة في ديننا. إنها فلسطين شدّ الأبطال عزائمهم، وأسرجوا خيولهم، وطاروا يسابقون الريح. إنها فلسطين، أراق الشهداء دماءهم، وبذلوا أرواحهم رخيصة لأجلها. كم سجّل التاريخ من مواقف عظيمة لأبطال عظماء هبّوا دفاعًا عن فلسطين، وبذلوا كل غالٍ ونفيس؟ لقد سار إليها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه على بعير يعتقب عليه هو وغلام له، حتى إذ اعترضته مخاضة نزل من بعيره فنزع خفّه وخاض في الماء، ثم لما وصل إلى بيت المقدس صلّى في محراب داود عليه السلام، وترنّم بسورة الإسراء. إنها فلسطين، امتنع الملك البطل نور الدين زنكي عن التبسّم، وقال “أستحي من الله أن أتبسّم وبيت المقدس في الأسر” فوقف هذا الملك الفذّ على تلّ وسجد لله، ومرّغ وجهه في التراب، ودعا ربه وقال: “اللهم انصر دينك ولا تنصر محمودًا”.
من موقع الالوكة الإسلامي