إنما يتقبل الله من المتقين

إنما يتقبل الله من المتقين

 

لقد تعبدنا الله بأمرين عظيمين لا انفكاك بينهما: التصديق بما أتى به المرسلون، والعمل على المنهج الربَّاني السديد، فلا إيمان بلا عمل، ولا عمل مقبول بلا إيمان، وإن قبول الطاعات قضية الدنيا توفيقًا، وقضية الآخرة فلاحًا، وذلك أن الله قال: ” إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ” المائدة: 27. فقبول العمل أعظم علامات العبودية لله، وإنك لن تدرك أن عملك مقبول عند الله إلا وقد ظهرت علاماته على فعلك وتركك، ومن هنا نعرج على أركان قبول العمل وعلاماته الظاهرة؛ لتكون لنا حافزًا وخيرَ مُعينٍ على طاعة الله.

أولًا: وهو أعظمها، التوحيد: قال تعالى: ” إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ” آل عمران: 91. فمهما بلغ الإنسان من الإحسان والبذل إن لم يقم في قلبه قائم الإيمان، فليس له عند الله مقام.

ثانيًا: الطاعة بعد الطاعة: وإن الطاعة إذا لم يعقبها أخرى دلَّ على عدم قبول الأولى؛ لأن الطاعة عهد مع الله، فمن نقض العهد دلَّ على فساد السريرة في الآخرة والأولى، ومن هنا جاء التحذير في قوله تعالى: ” وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ” النحل: 92.

ثالثًا: انشراح الصدر للطاعة: إن العبد المؤمن ليدخل في عبوديته لربِّه وهو منشرح الصدر، معظم للموقف بين يديه، يحدوه الحب والرغبة فيما عند الله، فالطاعة عنده قرة عين، وهي أُنْسه وغناه ومُبتغاه؛ قال تعالى: ” وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ” الحجرات: 7.

رابعًا: لا تستكثر الطاعة ولا تغترَّ بها: ومهما بذل العبد في عبوديته لا يزال جانب التقصير حليفه، ولا يزال كرم الله وفضله بالعطاء، فإذا استشعر المرء جانب التقصير واتَّهمَ نفسَه بذلك، وعرَف عظيم حق الله، أسقط الله عنه التقصير، وأتمَّ عليه النعمة.