إنما الغنى غنى القلب

إنما الغنى غنى القلب

 

قد يتبادر إلى ذهن القارئ أن المال مذموم شرعاً وأن الغنى شرّ كله، وهذا الفهم خاطئ بلا شك لأن المال لا يذم من حيث هو مال ولا يُذم الغِنى لأنه وفرة في المال. إن المال والغنى لا يذمان وإنما يُذم فعل المرء وقد جاءت تسمية المال بالخير لكن هذا الخير مشروط بطريقة اكتسابه فلا بد أن تكون من الحلال ويكون خيراً إذا أنفقه الإنسان في سبل الخير وهو مع ذلك غني النفس وهذا هو الغنى الحقيقي فلا يتشوق للمال ولا تستشرف نفسه إلى ما في أيدي الناس كما في الأحاديث التالية:

عن يسار بن عبيد قال: كنّا في مجلس فجاء النبي وعلى رأسه أثر ماء. فقال له بعضنا: نراك اليوم طيب النفس. فقال: “أجل والحمد لله”. ثم أفاض القوم في ذكر الغنى. فقال: “لا بأس بالغنى لمن اتقى والصحة لمن اتقى خير من الغنى وطيب النفس من النعيم” صححه الألباني. والغنى الحقيقي هو غِنى النفس، فعن أبي ذر رضي الله عنه: قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا أبا ذر أترى كثرة المال هو الغنى؟” قلت: نعم يا رسول الله! قال: “أفترى قلة المال هو الفقر؟” قلت: نعم يا رسول الله! قال: “إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب” صححه الألباني.

فهذه الأحاديث وأمثالها تبين أن المال نفسه لا يذم بوصفه مالاً، والغنى لا يذم، وإنما الذم يكون لصاحب المال إذا اكتسبه من طريق محرمة، أو أنفقه في أمور منهي عنها، أما ما عدا ذلك فقد وصف بأنه خير، ولا يكون خيراً حتى يسخره الإنسان فيما يعود عليه بالخير عند ربه عز وجل. وهل يمكن للدنيا أن تقوم بغير مال، وهل يتصور عاقل أن شرائع الدين من زكاة وحج وجهاد تقوم بدون وجود مال؟ عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:” إن الله قال: إنا أنزلنا المال لإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ولو كان لابن آدم وادٍ لأحبَّ أن يكون له ثانٍ، ولو كان واديان لأحبَّ أن يكون لهما ثالث، ولا يملأُ جوف ابن آدم إلا التراب، ثم يتوب الله على من تاب” رواه الطبراني .