إن المال فتنة واختبار يبـتلي به الله من يشاء من عباده؛ لينظُرَ كيف يعملون، ” وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ” الأنفال: 28، فمن أخذه من حِلِّه، ووضَعَه في محلِّه؛ فعمر به الأرض، وأحاطه بسياج الأمانة والحفظ، فقد أفلَحَ ونجح، وكسَبَ الحياة وربح، ومن جعل المال أكبرَ همِّه، ومَبـلَغَ عِلمِه، فقد خاب وخسر، وأمامه يومٌ عَسِر. جاء في الحديث أن حَكيم بن حزام قال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم مسألةً فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثلاث مرات، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا حكيمُ، إن هذا المال خَضِرةٌ حُلْوة، فمن أخذه بسَخاوة نفس بُورِكَ له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يُبارَكْ له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليدُ العليا خير من اليد السُّـفلى”، قال حكيمٌ: فقلتُ: يا رسول الله، والذي بعَثَك بالحق، لا أَرْزَأُ أحدًا بعدك شيـئًا حتى أفارق الدنيا. ألا وإن من أعظم الأمانات أمانةَ الوظائف بشتَّى صورها وأشكالها، فتجب تقوى الله فيها، والحرصُ على أدائها على الوجه الأكمل، والقيام بواجباتها ومسؤولياتها. فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسول الله، ألا تستعملُني؟ فضرب بيده على مَنْكِبِي وقال: “يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خِزْيٌ وندامة، إلا مَن أخَذَها بحقِّها، وأدَّى الذي عليه فيها”.
وقال صلى الله عليه وسلم: “ما من عبدٍ يَسترعيهِ اللهُ رعية، يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيته، إلا حرَّم الله عليه الجنة”. ومن أعظم الأمانات أمانةُ الأموال العامة التي تعود للمسلمين، والتي يجب أن يحافظ عليها الإنسان أشدَّ من أن يحافظ على ماله الخاص، يقول صلى الله عليه وسلم: “مَن عَمِل منكم على عمَل فكتم مَخيطًا فما فوقه، فهو غُلٌّ يأتي به يوم القيامة” رواه مسلم. وقد استَعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا على صَدَقات بني سُليم، يُدْعَى ابنَ اللُّتْبِيَّةِ، “فلما جاء حاسَبَه، قال: هذا مَالُكُمْ، وهذا هدية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فهلا جلستَ في بيت أبيك وأمك، حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقًا!”، ثم خطَبَنا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: “أمَّا بعد، فإني أستعمل الرجلَ منكم على العمل مما وَلَّانِي الله، فيأتي فيقول: هذا مالُكم وهذا هدية أُهديتْ لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته! والله لا يأخذ أحدٌ منكم شيئًا بغير حقِّه إلا لقي اللهَ يَحمِلُه يوم القيامة، فلأَعرِفَنَّ أحدًا منكم لقي الله يحمل بعيرًا له رُغاءٌ، أو بقرةً لها خُوارٌ، أو شاةً تَيْعَرُ”، ثم رفع يده حتى رُئِي بياض إبطه، يقول: “اللهم هل بلَّغتَ؟!” بَصُرَ عَيْنِي وَسَمِعَ أُذني”؛ رواه البخاري.
من موقع الالوكة الإسلامي