إرهاب الطرقات … وقفة للمحاسبة

إرهاب الطرقات … وقفة للمحاسبة

إن عمارة الأرض تتطلب من العبد المؤمن أن يصلح فيها ولا يفسد؛ قال تعالى ” وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ ” البقرة: 204-205؛ ومما لاشك فيه أن القوانين المرورية المنظمة لاستعمال الطرق العامة وضبط تحركاتهم على الطريق، سبب من الأسباب التي تحقق النظام والإصلاح، وتمنع الفوضى، فإذا ما خولفت هذه القوانين نتج عنها مخاطر تهدد حياة الناس، يذهب ضحيتها آلاف الأشخاص سنويًّا. وما الحوادث المرورية التي شاهدناها مؤخرا في الجزائر إلا دليلا على ذلك.  وإذا كانت وسائل المواصلات التي يستعملها الإنسان ضرورة من ضرورات الحياة، فلا بد من مراعاة السلامة في استعمالها والتعامل معها، والله سبحانه وتعالى قد مدح عباده الصالحين، فقال: ” وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا ” الفرقان: 63، فالآية ربطت بين تحقيق العبودية وتوحيد الله سبحانه وتعالى والإيمان به، وبين المشي على الأرض بالهون، ومعنى قوله تعالى: “الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا “.  “والهون: اللين والرفق… والمشي الهون: هو الذي ليس فيه ضرب بالأقدام وخفق النعال، فهو مخالف لمشي المتجبرين المعجبين بنفوسهم وقوتهم.

والتخلق بهذا الخلق مظهر من مظاهر التخلق بالرحمة المناسب لعباد الرحمن؛ لأن الرحمة ضد الشدة، فالهون يناسب ماهيتها وفيه سلامة من صَدْم المارين في الطريق. وأيضًا يدخل في هذه الآية من باب أولى وأحرى من يسوق السيارة، أو غيرها من وسائل النقل؛ لأن احترام قوانين السير وقيادة السيارة بتواضع يحقِّق الإصلاح في الأرض، ويقلل من حوادث السير. وأما الأحاديث النبوية، فمنها ما رواه مسلم في صحيحه عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ – أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ – شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ”. في هذا الحديث يبيِّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم العلاقة الوطيدة بين الإيمان واحترام قوانين سلامة السير، وأنه من الإيمان تجنُّب كل التصرفات التي تؤذي الغير، ومعنى إماطة الأذى عن الطريق؛ أي: إزالة ما يؤذي كشوك وخبث وحجر، وهناك حديث آخر يربط فيه النبي صلى الله عليه وسلم بين الوقاية المرورية، وبين الإيمان باليوم الآخر، وأن العمل الصالح في هذا المجال له أثره يوم القيامة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: “لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ” رواه مسلم.

إن مراقبة الله سبحانه وتعالى والخوف منه والوازع الديني في قلب المسلم، صمام أمان لتطبيق هذه القوانين المرورية، فلو استحضر المسلمون في قلوبهم وعقولهم مراقبة الله تعالى أثناء تحركاتهم وسيرهم في الطرقات، لَما كنا نسمع عن كثير من هذه الحوادث والفواجع في طرقات المسلمين، ولسهُل العمل أيضًا على شرطة المرور، ولهذا قيل: إن من علامة المراقبة “إيثار ما أنزل الله، وتعظيم ما عظم الله، وتصغير ما صغر الله”، ومما عظَّم الله: حرمةُ الدماء، وقتْلُ نفس بغير حق، أو إيذاؤها؛ قال تعالى: ” مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ” المائدة:32.

من موقع شبكة الألوكة الإسلامي