تحيي الجزائر هذا الأحد اليوم الوطني لذوي الاحتياجات الخاصة الموافق لـ 14 مارس من كل سنة، رافعة التحدي لتحسين واقع هذه الفئة التي ما تزال تعاني من عدة مشاكل اجتماعية.
يرى المختصون أن أغلب مشكلات ذوي الاحتياجات الخاصة الحياتية لا ترجع إلى الإصابة أو الإعاقة في حد ذاتها، بل تعود أساسا إلى الطريقة التي ينظر بها المجتمع إلى هذه الفئة، وترجع إلى طريقة تعامل الأسرة، وتكيف المجتمع مع مشكلاتها، كما نجد مشكلة ذوي الاحتياجات الخاصة في الظروف المختلفة والمهيأة لها، بوضعها لقيود وعقبات غير مبررة أمام مشاركة المعاق في فعاليات ونشاطات الحياة المختلفة.
الإدماج بداية الحل
تتضح أهمية عملية إدماج ذوي الاحتياجات الخاصة داخل الأسرة والمجتمع، وأهمية التكفل بهم قانونيا، من خلال إعادة النظر في القوانين التي تضمن لهم الحق مثلهم مثل أي فرد آخر في مجتمعه، ولهذا جندت الدولة الجزائرية ترسانة قوانين لرد الاعتبار للمعاق وتكريس حقوقه.
اختلاف التشخيص وبداية المعاناة
تمت الإشارة أيضا إلى أن التكفل بذوي الاحتياجات الخاصة، هو عمل فريق متكامل بمختلف تخصصاته، في الطب وعلم النفس وعلاج التخاطب، وأخصائي التغذية…الخ. والتكفل يبدأ من أول خطوة، وهي التشخيص الدقيق لهذه الحالات، خاصة الفئات الأكثر هشاشة في التشخيص، مثل التوحد، ومعاناة العديد من أولياء ذوي الاحتياجات الخاصة تبدأ من اختلاف التشخيص وصعوبته، وتنتهي بالحماية القانونية لحقوق أبنائهم في تصنيف أطفالهم من ذوي الاحتياجات الخاصة من عدمه، التكفل العلاجي، التربوي والمهني.
إرساء آليات واتخاذ تدابير لرعاية المعاق
أكدت الحكومة الجزائرية وعلى رأسها الوزير الأول عبد العزيز جراد، على إيلائها الاهتمام اللازم لفئة ذوي الاحتياجات الخاصة، وقال في عدة مناسبات إن الحكومة توجه في رسم السياسات وضبط البرامج في مجال حماية وترقية الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، “يتكرس باتخاذ تدابير وإرساء آليات لتعزيز حقوقهم، مع إشراك الحركة الجمعوية في إعداد برامج واستراتيجيات ناجعة لخدمتهم، بالتنسيق مع كل الفاعلين، لاسيما الأسرة الإعلامية”.
وكان الوزير الأول قد صرح في مناسبة سابقة، أن التعديل الدستوري الأخير “يؤكد وجود إرادة سياسية قوية للعمل على إدماج ذوي الاحتياجات الخاصة اجتماعيا واقتصاديا بصفة فعالة وانخراطهم في بناء الصرح المؤسساتي بأنامل أبدعت في شتى ميادين الحياة، ثقافيا واقتصاديا ورياضيا، وأبهرتنا بنتائج جد إيجابية في الامتحانات الرسمية”.
وأقر رئيس الهيئة التنفيذية في هذا الشأن بالدور الذي ما فتئت تضطلع به هذه الفئة على المستوى العالمي، من خلال “رفع الراية الوطنية في المحافل الدولية بنخبة من الرياضيين المتوجين بميداليات أولمبية، وساهمت في عملية التنمية الاقتصادية بمشاريع شتى من أجل المساهمة في تنمية البلد”.
كما نوه بأهمية “التنسيق مع الهيئات الأممية، لاسيما صندوق الأمم المتحدة للسكان”، من أجل “رفع قدرات ومؤهلات هذه الفئة والتعريف بها دوليا، عبر تبادل الخبرات وضبط المعايير الدولية لترقية منتوجاتهم لتفتح أمامهم فرص اقتحام الأسواق العالمية”. كما أشار الوزير الأول إلى أن إحياء اليوم الوطني للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة من كل سنة، يترجم مدى اهتمام الدولة الجزائرية بفئة أثبتت عالميا لا وطنيا فحسب، قدراتها ومؤهلاتها في المساهمة في مسار البناء على جميع الأصعدة”، مضيفا أن هذه القدرات “دعمتها أطر قانونية تضمنت بنودا داعمة لمكانة فئة ذوي الاحتياجات الخاصة على غرار أحكام القانون رقم 09/02 المؤرخ في 08 ماي 2002 المتعلق بحماية الأشخاص المعوقين وترقيتهم”.
كما قال الوزير الأول إن “دعم وحماية هذه الفئة ينبغي أن يكون من طرف المجتمع بمختلف مكوناته وليس من طرف السلطات العمومية فقط”، مشيدا بجهود وسائل الإعلام في إبراز النماذج الناجحة في مناطق الظل عبر مختلف ولايات الوطن.
معارض لذوي الاحتياجات الخاصة
ويُنظم ذوو الاحتياجات الخاصة عددا من المعارض المتعلقة بالمشاريع الناجحة للأشخاص ذوي الإعاقة، المستفيدين من برنامج الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر، وهو تشجيع للعارضين على رفع مختلف التحديات للبروز في مجالاتهم وضرورة مشاركتهم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وفي هذا الصدد قال الوزير الأول إن السلطات العمومية ملزمة بإدماج فئة ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع ومنح كل الفرص لترقيتهم. كما دعا جراد إلى “مبادرة وطنية لتسهيل وصول ذوي الاحتياجات الخاصة إلى مختلف الإدارات العمومية عبر البلديات والولايات وتنقلهم عبر الطرق بوسائلهم الخاصة”.
الأمم المتحدة تنوه بالالتزام السياسي للجزائر في ترقية حقوق ذوي الإعاقة
نوه المنسق المقيم لمنظمة الأمم المتحدة بالجزائر، إيريك اوفرفاست، بـ “الالتزام السياسي” للبلد في مجال التكفل بهذه الفئة في المجتمع، مؤكدا أن الجزائر حققت “تقدما كبيرا” في مجال ترقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، مؤكدا أن التعديل الدستوري الأخير كرس دور الدولة بوصفها الضامن لحقوق الأشخاص الضعفاء ذوي الاحتياجات الخاصة وإدماجهم في الحياة الاجتماعية، بالإضافة إلى الآليات المختلفة لإدماج الأشخاص ذوي الإعاقة في الحياة الاقتصادية.
وجدد اوفرفاست، استعداد الأمم المتحدة في الجزائر “لتدعيم أي مبادرة ترمي إلى إدماج واستقلالية الأشخاص ذوي الإعاقة”، مشيرا إلى أن التقديرات تشير إلى “وجود نحو مليار شخص في العالم يعيشون بإعاقة منهم 80 بالمئة في البلدان النامية”.
“التضامن الوطني يصغي”.. أرضية لخدمة هذه الفئة
أطلقت أرضية رقمية تحت عنوان “التضامن الوطني يصغي”، الهدف منها تقديم خدمات اجتماعية التي تسهر عليها مصالح قطاع التضامن الوطني، وعلى راسها تلك الخاصة بفئة الأشخاص ذوي الإعاقة. وأكدت جدي دوجة، المديرة الفرعية للاتصال وأنظمة الإعلام أن المبادرة “تندرج في إطار تنفيذ مخطط الحكومة، المتعلق بعصرنة ورقمنة الإدارة وتبسيط وتحسين الاجراءات الإدارية، وتقريب الادارة من المواطن”. وأضافت المسؤولة أن هذه التطبيقة التي بادر بها قطاع التضامن الوطني للتبليغ عن الشخص المسن في وضع صعب والأشخاص بدون مأوى واستشارات أسرية وفئة الأشخاص ذوي الاعاقة، تهدف أساسا إلى “وضع
آليات تساهم في عملية التكفل المادي والمعنوي للفئات الهشة من المجتمع”. من جانبها، كشفت وزيرة التضامن الوطني والأسرة عن اعتماد “استراتيجية وطنية جديدة لتعزيز الإدماج الاجتماعي والاقتصادي لفائدة الأشخاص ذوي الإعاقة” وذلك في إطار السياسة الرامية إلى ترقية حقوق هذه الفئة.
جائحة _كورونا_.. تعمق أوجاع ذوي الاحتياجات الخاصة
قال مولود دراجي، رئيس جمعية _الاتحاد والأمل_ لذوي الاحتياجات الخاصة بولاية الجزائر: _اعتبار ذوي الاحتياجات الخاصة من الفئات الهشة في المجتمع، دليل على ضعفهم في حماية أنفسهم، والوقاية من حمل الفيروس أو نقله للعائلة_، وأضاف رئيس الجمعية _إن مرض كوفيد 19، يشكل خطرا كبيرا للكثير من الأشخاص من ذوي الإعاقة حول العالم، وعلى الحكومة والمجتمع المدني والجمعيات الخيرية أن تبذل جهودا إضافية، لحماية حقوقهم في الاستجابة للجائحة”.
وأضاف المتحدث _إن الأهداف السامية لتخصيص أيام للاحتفاء بهذه الفئة، هو دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في كل جوانب الحياة، ورفع التحدي وتثمين مشاركتهم في الحياة، من خلال توفير فرص العمل والتعليم والالتحاق بالدورات التدريبية، باعتبارهم فعالين ويمكنهم المساهمة في المجتمع، ونظرا للظروف الراهنة، يصعب رفع ذلك التحدي، بسبب ما قد يهدد حياتهم خارج بيوتهم، وهذا ما دفع الجمعية، حسب ما أشار إليه دراجي، إلى ضرورة البقاء في المنزل وعدم مغادرته إلا للضرورة القصوى، إلى حين زوال الجائحة، موضحا أنه على الجمعيات تخصيص توعية لأكبر شريحة ممكنة من هذه الفئة، لرفع وعي المجتمع بجميع أطيافه بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، وتمكينهم من التمتع بجميع حقوقهم والاندماج في المجتمع بصورة كاملة، إلى جانب خدمتهم في سبيل مساعدتهم على تخطي هذه الظروف الصعبة، ورفع الغبن عنهم ولو نسبيا، بإيصال ما يحتاجونه إلى بيوتهم، دون اضطرارهم إلى مغادرتها.
وأضاف المسؤول، أنه في الوقت الذي يعاني الشخص العادي من العيش الطبيعي، في ظل هذه الأزمة، فما بالك بأصحاب الإعاقات، الذين يعانون في الأوقات العادية التهميش وعدم الاهتمام، فإن أزمة _كورونا_ التي تعصف بالعالم، زادت الطين بلة، وألقت مخاوفها في نفوس هذه الفئة في الجزائر، فالأشخاص ذوو الإعاقة هم من الفئات الأكثر تهميشا وتعرضا للوصم في العالم، حتى في الظروف العادية، وما لم تتحرك الجهات المسؤولة سريعا لاحتوائهم، ضمن استجابتها لتفشي الفيروس، فإنهم سيتعرضون بشدة لخطر العدوى والموت مع انتشار الجائحة، لاسيما بالنسبة للأشخاص المتقدمين في السن، أو من حالاتهم الصحية مزمنة، أو من ذوي الإعاقة التي تؤثر على قدرتهم التنفسية، وكلهم ـ وفقا لها ـ معرضون بشكل خاص للإصابة بفيروس _كوفيد-19_، أو الموت جراءه.
إلى جانب هؤلاء، يقول مولود دراجي، هناك مجموعة أخرى من المعاقين لا تعرضهم الإعاقة في حد ذاتها، إلى خطر الإصابة، لكنهم يواجهون خطرا آخرا، يتمثل في التمييز والعوائق التي تحول دون حصولهم على الخدمات الاجتماعية، والإدماج الاجتماعي، لاسيما أن المنحة المقدمة لتلك الفئة لا يستفيد منها الجميع، لأنه حق وجد لصالح فئة دون أخرى، فهو يخص من لديه إعاقة تقدر بنسبة 100 بالمائة، مما يعني أن من لديه إعاقة أقل لا يستفيد من هذا الحق، رغم أنه معاق، لاسيما أن في هذه الفترة يعاني المعاق ورب البيت أزمتين، بسبب الجائحة، في ظل انعدام مدخول للعيش، وهم اليوم في أمس الحاجة إلى الدعم المادي، بالنظر إلى تدني حالتهم الاجتماعية.
لمياء. ب