بعد كل أزمة على الساحة الفنية في العالم العربي، يتّضح في النهاية أن السبب الأساسي فيها هو غياب إدارة أعمال محترفة تدير أعمال الفنان، وتصريحاته وإطلالاته.
وبعد انطفاء نجومية هذا الفنان أو ذاك نتيجة الخيارات الموسيقية الخاطئة، غالباً ما يلام مدير أعماله، وهو لوم في مكانه في أغلب الأحيان.. ولنأخذ على سبيل المثال قضية بهاء سلطان، حيث يتمتّع الفنان المصري بواحد من أفضل الأصوات التي ظهرت على الساحة في العقدَين الأخيرَين، ورغم ذلك بقي ممنوعاً من الغناء لسنوات طويلة بعد خلافه التعاقدي مع المنتج نصر محروس، نتيجة عدم درايته القانونية ببنود التعاقد ما جعله ضحية للاحتكار الذي لم ينته إلا بتدخل أطراف عدة لحل الأزمة بشكل ودي. في مصر أيضاً، يمكن متابعة مشاكل شيرين الناتجة عن سوء إدارة أعمالها، إذ لا يكاد يمر شهر واحد من دون أن تقع في أزمة مع الجمهور أو الإعلام أو شركات الإنتاج، ما دفعها إلى تغيير 3 مدراء أعمال في أشهر قليلة. وآخر الأمثلة، إليسا، التي وقعت هي الأخرى في فخ غياب إدارة الأعمال الاحترافية، وأثبتت أزمة أغنيتها الأخيرة ذلك. وعرفت الفنانة اللبنانية شهرتها الأكبر بعد تعاقدها مع شركة روتانا التي تتولى عادة إنتاج وتوزيع أعمال الفنان إلى جانب إدارة أعماله وتنظيم الحفلات. لكنها في مرحلة ما من هذا التعاقد توقفت الشركة السعودية عن تقديم المزيد لإليسا (ولغيرها من أبرز النجوم) نظراً لتعاقدها مع عدد كبير من الفنانين، وهو ما تكرر مع عمرو دياب، وشيرين وأنغام، قبل إليسا. هكذا اختارت إليسا فض العقد مع “روتانا” والإنتاج لنفسها منذ عام 2020، لتبدأ أزماتها، فلم تستطع منذ تلك السنة إصدار ألبوم كامل حتى الآن، كما أجلت طرح ألبومها الأخير أكثر من 4 مرات على مدار عامين، ووقعت في خلاف مع فريق عملها مثل الملحن زياد برجي، وتعرضت أغانيها للحذف من يوتيوب بسبب خلافها مع الشركة الموزعة للألبوم “وتري”، من دون أي حلول تلوح في الأفق. السبب الأول في أزمات الفنانين الإنتاجية والإدارية هو عدم اقتناعهم أساساً بأهمية وظيفة مدير الأعمال، بل سادت صورة سلبية عن هذه الوظيفة، على أنها تقتصر على الرد على المكالمات الهاتفية والاتفاق على الأجور في الحفلات والبرامج فقط، وهي مهام انتهت منذ التسعينيات. لذلك يختار الفنانون العرب غالباً أفراد من أسرتهم لتولي هذه المهام من أجل الثقة في إدارة الشؤون المالية أو العمل كمساعدين شخصيين، وفي أكثر الأوقات يكون هؤلاء من دون خبرة أو معرفة بالسوق الموسيقي والإنتاج. الخطأ الآخر هو تحول العلاقة بين الفنانين ومديري أعمالهم إلى علاقة شخصية تنتهي بطريقة مأساوية في معظم الحالات. آخر الأمثلة الواضحة على ذلك، نجومية الفنان المصري أحمد سعد في العامَين الأخيرين وتحوّله إلى نجم مطلق، نتيجة تولي زوجته علياء بسيوني التخطيط لأعماله. لكن هذه العلاقة انتهت قبل أيام مع إعلان الطلاق بينهما.
تجارب ناجحة
معظم التجارب الفنية الناجحة في السنوات الأخيرة، كان العامل المشترك فيها وجود فريق قوي خلف أصحابها.
ومن الجيل الجديد، تجربة مغني الراب “ويغز” ومدير أعماله عاصم تاج. ويتخذ ويغز، خطوات متصاعدة في مسيرته، من النجاح محلياً إلى إحياء الحفلات في أوروبا والولايات المتحدة، وتوسيع قاعدته الجماهيرية، والغناء في نهائي كأس العالم في الدوحة، والابتعاد عن الأزمات والمشكلات، بفضل استقرار إدارة أعماله، واعتماده على فريق كامل حوله. ومن الأجيال الأقدم نسبياً، يعتبر نموذج نانسي عجرم مع مدير أعمالها جيجي لامارا الأشهر، إذ تجاوز دوره معها إدارة الأعمال إلى صناعة تحولات عدة في شخصيتها الفنية وتحولات أخرى مصيرية في مسيرتها منذ ظهورها الأول بفيديو كليب “أخاصمك آه” إلى الوقت الحالي. كذلك تعتبر تجربة عمرو دياب الذي أنشأ شركة “ناي” خصيصاً لإدارة أعماله، واحدة من التجارب الأنجح، إذ يحيط نفسه من خلال الشركة بفريق قانوني وإنتاجي ساعده في الاستقرار الإنتاجي في السنوات الأخيرة.
ق.ث
