إتقان الحرف والمهن سبيل الأمم المتقدمة

إتقان الحرف والمهن سبيل الأمم المتقدمة

إن الحق تبارك وتعالى خلق عباده في هذه الحياة الدنيا لا ليُكثروا العمل، وإنَّما ليُحسنوا العمل، وقد ذكر الله عز وجل ذلك في آيتين كريمتين من كتابه الكريم أولى هاتين الآيتين في سورة هود؛ قال الله عز وجل: ” وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ” هود: 7. والآية الثانية في سورة الملك، قال تعالى: ” الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ” الملك: 2، فمدار الأمر ليس على كثرة العمل، وإنما مداره على إحسان العمل وإتقانه، فالله عز وجل لا يرضى عن العامل إذا كثُر عمله، وإنَّما يرضى عنه إذا حسُن عملُه، فليست العبرة بالكثرة، وإنما العبرة بالتجويد والإتقان، ربما يعمل المرؤ عملًا قليلًا ويأجره الله عز وجل أجرًا كبيرًا، وربما يأتي العبد ربه يوم القيامة بأمثال جبال تهامة بيضًا من الحسنات، فيجعلها الله هباءً منثورًا، ذلك أن هذه الأعمال لم تكن متقنة. ولقد أمرنا الشرع الحنيف على إتقان العمل بأساليب متنوعة، فمن هذه الأساليب أنَّ الحق تبارك وتعالى جعل الإتقان صفة من صفاته سبحانه، فقال في وصف خلقه سبحانه “وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ” النمل: 88. وأمر به عباده، فقال سبحانه ” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ” النحل: 90.

وبيَّن لعباده أن أعمالهم بنظر الله، وأنه سبحانه مطلع عليها، وسيجزيهم عنها، فقال سبحانه “وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ” التوبة: 105. وسيُجزى المسيء بمقتضى إساءته، والمحسن بما يكافئ إحسانه؛ قال تبارك وتعالى: ” وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ” النجم: 31. وبيَّن سبحانه أنه أمر أعلى خلقه قدرًا وأعظمهم منزلة بإحسان العمل، فقال سبحانه: ” يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ” المؤمنون: 51. وأما السنة النبوية، فجاءت نصوص كثيرة تحضُّ على إتقان العمل وإحسانه، ويكفى لبيان أهمية إتقان العمل أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن أن الله عز وجل يُحب من عبده أن يتقن عمله، فقال صلى الله عليه وسلم: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يُتقنه”؛ رواه البيهقي في شعب الإيمان عن عائشة رضي الله عنها، فالله عز وجل يحب من عباده أن يتقنوا أعمالهم، ولا يرضى سبحانه عن العمل غير المُتقن، والمؤمنون ينبغي لهم أن يكونوا أتقن الناس لأعمالهم، وأحرصهم على تجويدها، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم إتقان العمل فرضًا واجبًا، فقال صلى الله عليه وسلم: “إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليُحدَّ أحدكم شفرته، وليُرح ذبيحته” رواه مسلم.