أخرَج الإمامُ مسلمٌ في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، مرَّ على صبرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللًا، فقال: “ما هذا يا صاحبَ الطَّعام؟”، قال: أصابته السَّماء يا رسول الله، قال: “أفلا جعلته فوق الطَّعام كي يراه النَّاس، مَن غشَّ، فليس منِّي”. وفي روايةٍ أخرى لمسلم: “ومَن غشَّنا، فليس منَّا”.
إنَّه خطاب لكلِّ مسلمٍ بأن ينزع من نفسه هذه الصِّفة الذَّميمة، وبهذا لم يجعل الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم الغشَّ حرامًا فحسب، بل جعله من كبائر الذنوب؛ لقول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: “مَن غشَّنا فليس منَّا”. ولا يحسب المسلم أنَّ صور الغشِّ تقف عند هذه الصورة الساذجة التي تتداعى إلى الأذهان عند ترداد لفظه. فليس الغشُّ صورةً تنطوي على تحايُلٍ في بيعٍ وشراء بين اثنين فحسب؛ بل كلُّ معاملة يدخلها شيءٌ من الغدر والخيانة والتَّحايُل، واللَّفِّ والدَّوران هي غش، ويقع على صاحبها الإثم الذي ينذر به هذا الحديث. فالمدرِّس الذي يمتنع عن التَّدريس في فصله أو يجتزئ المادَّة في شرحه، يدفع الطلاب لحضور درسه الخصوصي غاشٌّ لمادَّته خائنٌ لأمانته، والطبيبُ الذي يوصي مرضاه بنوعٍ من الدَّواء لمجرَّد العلاقة التي تربطه بالشركة التي تُنتجه، صلة أو قربى، أو بينهما وعد بهدية أو جائزة أو نسبة غاشٌّ لأمانته ووظيفته، خائنٌ لمهنته. والصانع الذي يقدِّم للنَّاس صنعة مغشوشة، والتاجر الذي ينزل إلى الأسواق ببضاعةٍ مغشوشة، والبائع الذي يبيع تجارة مغشوشة. كل هؤلاء عاملون بالغشِّ، آكلون للحرام، مُتوعَّدون بهذا الحديث. فلتحذر أيُّها المسلم أن تكون أحدهم، أو تنطوي حياتك على بعض عملهم.
من موقع إسلام ويب