أيها المذنب المُقصِّر

أيها المذنب المُقصِّر

 

أيها المذنب المُقصِّر، وكُلُّنا ذاك الرجل، سأهمس في أُذُنيك: هل عَلِمتَ سِعَةَ رحمةِ الله تعالى؟ قال الله تعالى إخباراً عن حملة العرش، ومَنْ حولهم، أنهم يقولون: ” رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا ” غافر: 7، وقال سبحانه: “وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ” الأعراف: 156. فرحمةُ الله تعالى وسِعَتْ وشَمِلت كلَّ شيءٍ في العالَمِ العُلويِّ والسُّفلي، البَرَّ والفاجر، المُسلِمَ والكافر، فما من أحد إلاَّ وهو يتقلَّب في رحمة الله تعالى آناء الليل وأطراف النهار. ولكنْ للمؤمنين الرحمةُ الخاصةُ بهم، والتي يَسعَدون بها في الدَّارين؛ ولذلك قال سبحانه في تمام الآية السابقة: ” فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ” فالكافر لا رحمةَ له في الآخرة.

فيا أيها العبدُ التائب أبشر بالرحمة الواسعة التي وسِعَت كلَّ شيءٍ، لقد فتح الرحيمُ تبارك وتعالى أبوابَ رحمته للتائبين فقال الرحيمُ جل وعلا: ” قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ” الزمر: 53. وقال أعلمُ الخَلْقِ بالله صلى الله عليه وسلم: ” لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ مَا قَنِطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ” رواه مسلم. فكُلَّما كنتَ قريباً من الكتاب والسنة علماً وعملاً، ودعوةً وصبراً، ورحمةً لعباد الله، نِلْتَ من الهدى والرحمة والبُشرى من الله تعالى، بِقَدْرِ ذلك القُرب، والعكس بالعكس.

ومن هنا نعلم؛ أنَّ العلماء الربانيين كان لهم بعدَ الأنبياء أوفر النَّصيبِ من رحمةِ الله تعالى؛ لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ” إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ” صحيح رواه أبو داود والترمذي. نعم؛ مَنْ أخذَ عِلمَ الأنبياء العلمَ النافع، عِلمَ الخشية، لا صورةَ العلم فقد أخذَ أوفرَ الحظِّ من رحمةِ الله تعالى. قال ابن القيم رحمه الله: قوله: ” إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ” هذا من أعظم المناقب لأهل العلم؛ فإنَّ الأنبياء خيرُ خَلْقِ الله، فورثَتُهم خيرُ الخَلْقِ بعدهم، وفي هذا تنبيه على أنَّهم أقربُ الناسِ إليهم، فإنَّ الميراث إنما يكون لأقربِ الناس إلى الموروث.