يصادف تاريخ 5 جويلية، ذكرى استقلال الجزائر وتحريرها من المستعمِر الفرنسي بعد احتلال دام ما يقرب من ثلاثة عشر عقدًا من الزمن، ذلك الاستقلال الذي كتب بدماء وتضحيات شعب الجزائر وبجهود الحكومات والشعوب التي وقفت معه. ولعل الأمم الأفريقية تولت جانبًا من الكفاح الجزائري ومساندته.
ويلخص هذا مقولة لزعيم ثورة جنوب أفريقيا نيلسون مانديلا: “الجزائر كانت وستبقى قلعة الثوار والأحرار، والسند القوي لكل الشعوب المناضلة من أجل العدالة والحرية، ومواقفها الأصيلة ترجمتها إلى عطاء ودعم وإسهام مباشر في تحرير القارة الأفريقية، إن عطاء ثورة الجزائر وجبهة التحرير الجزائرية كان عظيماً وقوياً وفاعلاً، وستظل كل الشعوب الأفريقية تذكر باعتزاز للجزائر دورها الرائد في تحريرها من الاستعمار، وتثمن جهودها في توحيد وتضامن القارة وشعوبها، والنهوض بالتنمية والاقتصاد فيها”.
وعندما انتقلت حرب التحرير الجزائرية، كانت معظم البلدان الأفريقية تحت الاستعمار، وكان واضحًا أن الاستعمار لن يتنازل عن مناطق كثيرة منها: أنغولا، جنوب أفريقيا، وناميبيا، واعتبرت جبهة التحرير الوطني باستمرار بأن عملها التحرري جزء مكمل، وله تأثير متبادل من أجل تحرير أفريقيا ككل.
وقد وجدت حركات الاستقلال والتحرر الأفريقية في الثورة الجزائرية نموذجاً ليس فقط في إخراج استعمار تقليدي، بل كذلك نموذجاً لمواجهة الاستعمار الاستيطاني وخاصة في أنغولا، الموزمبيق، زمبابوي. وكانت دافعاً قوياً لحركات الاستقلال لعدم المساومة مع المستعمر مثل ما حدث في غينيا والكونغو وغانا ومالي، وأما عن التأييد الأفريقي للثورة الجزائرية. وكانت لبعض الدول الأفريقية مواقف متشددة ضد الاستعمار الفرنسي، ومساندة بدون تحفظ للقضية الجزائرية ولحرب التحرير الجزائرية:
.. دول عربية انتصرت لثورة واستقلال الجزائر

لم يكن في وُسع الأنظمة العربية إلا أن تكون في صف الثورة، بتبني مطلب التحرر، والتحرك الدبلوماسي على المستوى الإقليمي والدولي لاستجلاب التأييد العالمي للقضية الجزائرية. ولا شك في أن كل ذلك أعطى زخما دوليّا مهما للثورة الجزائرية.
إن الواقع العربي اليوم بتأزماته وخلافاته وانقساماته وإحباطاته يفرض على المثقف العربي أن يستعيد ذاكرته التاريخية ويستحضر الماضي، ليسترجع ثقته بحاضره، فيستعيد اعتزازه بماضيه وتفاؤله بمستقبله، ليعيد إلى الواقع تلك الصور المشرقة من مظاهر التضامن والتآزر والتلاحم التي عاشتها الشعوب العربية والتي مكنتها من تحقيق مكاسب تاريخية غيرت مجرى التاريخ العربي المعاصر”.
بهذا التقديم، يستهلّ كبير المؤرخين الجزائريين ناصر الدين سعيدوني بحثه حول الدعم القومي لثورة التحرير (1954-1962)، فقد هزت الضمير العربي، وكانت حافزا له على تأكيد روابط الأخوة والشعور بوحدة المصير، حتى أصبحت قضية كل العرب.