أنوار من جامع الجزائر

أيامَ العيد وأَيام التَّشْريق – الجزء الثالث والأخير –

أيامَ العيد وأَيام التَّشْريق – الجزء الثالث والأخير –

إنَّ أيامَ العيد أيامُ أَكْل وشُرْب ولهْو مُبَاح وذكْر، فنَحْنُ أضْيَافُ الله في يَوْم النَّحْر وفي أَيام التَّشْريق الثلَاثَة بَعْدَهُ، ومنْ أُصُول الضيَافَة ألا يُعْرضَ الضيْفُ عَنْ مُضيفِه، لذَا يُنْهَى عنْ صيَامهَا، ويُسْتَحَبُّ في هَذه الأَيامَ التكبيرُ ورَفْعُ الصَّوْت به منْ وَقْت الخُرُوج إلَى المُصَلى يوْمَ النحْر إلَى آخر أَيام التَّشْريق، حَيْثُ يقولُ اللهُ تعَالى: “واذْكُرُوا اللهَ في أَيامٍ مَعْدُودَات” البقرة: 203، قالَ ابنُ عبَّاس: هيَ أَيامُ التشْريق، وروَى البُخَاري عنْ عُمَرَ رَضيَ اللهُ: “أنهُ كانَ يكبرُ في قُبته بمنىً فيَسْمَعُه أهلُ المسْجد فيكَبرُون ويكبرُ أهلُ السوق حتى يرْتَج منىً تَكْبيرًا، وكانَ ابنُ عمرَ يكبرُ بمنى تلكَ الأيامَ، وخَلفَ الصلَوَات وعلَى فرَاشه وفي فُسْطَاطه ومَجْلسه ومَمْشَاهُ تلْكَ الأيامَ جميعًا، وكَانَت ميمُونَةُ تكبرُ يومَ النحْر، وكانَ النسَاءُ يكبرْنَ خَلْفَ أبَانَ بن عُثْمَان وعُمَرَ بْن عبْد العَزيز ليَاليَ التشْريق معَ الرجَال في المَسْجد”. قالَ الحَافظُ ابنُ حَجَر قدَّسَ اللهُ سرَّهُ: “وقَد اشْتَمَلَت هَذه الآثارُ علَى وجُود التكْبير في تلْكَ الأيام عَقبَ الصلَاة، وغيرَ ذلكَ من الأَحْوَال”. كمَا لَا تنَسوْا عبادَ الله صلَةَ الرَّحم، فإنهَا معَلقَةٌ بعرْش الرحْمَن تقُولُ: منْ وصَلَني وَصَلْتُه، ومنْ قَطَعَني قَطَعْتُه، فتذَكرُوا رَحمَكُمْ في هَذه الأَيام، وصلُوا جُسُورَ المَوَدة مَعَهُم، وتفَقَّدُوا أَحْوالَهُم، فإنَّ صلَةَ الرَّحم منَ الأَسْبَاب التي تُطيلُ العُمُرَ، وتَجْلبُ الخَيرَ والنعَمَ، وتَدْفَعُ البَلاءَ والنقَمَ، كمَا عندَ الشيْخَيْن منْ حَديث أَنَس رضيَ اللهُ عنهُمَا عن صلى الله عليه وسلم أنهُ قَالَ: “منْ أحَبَّ أنْ يُبسَطَ لهُ في رزْقه؛ ويُنسَأَ لهُ في أَثَره، فلْيَصلْ رَحمَهُ”. أهلَ الجدِّ والاجتهاد: إنَّ من الكيَاسَة والفطْنَة أن نحْرصَ على اغْتنَام أيَّام الله الفَاضلة – أي عشْرَ ذي الحجَّة – في كلِّ بر وخَيْر وطَاعَة، منْ ذكْر عَامٍّ وخَاصٍّ، وصَدَقَة، وصَلَاة، وقرَاءَة قُرْآن، وصلَةِ رَحِم، وإعَانَة مَلْهُوف، وكَفْكَفَة دَمْعَة يَتيم، وإدْخَال فَرْحَة علَى أرْمَلَة أوفقير أو مَحْزُون بشرَاء أُضْحيَةٍ  أو قَضَاء دَيْن أو تَنْفِيس كُرْبة، وإشَاعَة معَاني الأُخُوَّة والمَحَبَّة، وتَطْليق كُلِّ أسْبَاب الفُرْقَة والشِّقَاق والفتْنَة من طَائفيَّة وجهَويَّة وعرْقيَّة وعُنْصُرية ومحْسُوبيَّة، فهيَ من دَعْوَى الجَاهلية المُنْتنَة، وحَافظُوا عَلَى أمْن البلَاد واستقْرَاره، فهُو أمَانَةٌ الشُّهَداء، وَوَصيةُ الأَوْليَاء، وسَتُوقَفُونَ بينَ عَرَصَات يوْمَ القيَامَة لتُسْأَلُوا عنهَا، “وَقفُوهُمْ إنَّهُم مَسْؤُولُونَ” الصافات: 24، وكُونُوا عبَادَ الله إخْوَانًا.

 

اللّهمّ لا تَدَعْ لنا في هذا المَقَام ذَنْبًا إلّا غفرْتَهُ، ولا هَمًّا إلا فَرَّجْتَهُ، ولا دَيْنًا إلّا قَضَيْتَهُ، ولا مريضًا إلّا شَفَيْتَهُ، ولا عَدَوًّا إلّا خَذَلْتَهُ وقَصَمْتَهُ، اللّهمّ انْصُرْ مَن نَصَرَ الدّينَ، واخْذُلْ من خَذَلَ المسلمين.

الجزء الثالث والأخير من خطبة الجمعة من جامع الجزائر