أول إستراتيجية لتسليح جيش التحرير الوطني في الثورة “سلاحــــــك لــــدى عـــــــــدوك”…..”الدارغ” أول جهاز منظم للتسليح..

elmaouid

اختارت “الموعد اليومي” أن تسجل احتفاءها بالذكرى الـ64  لاندلاع الثورة بالتطرق إلى أحد أهم الجوانب التي أبان فيها الجزائريون عن “عبقريتهم”، وأحد أهم عوامل الانتصار “الميداني” على فرنسا الاستعمارية وهو

التسليح الذي رافق المشروع الثوري مع بدايته كفكرة إلى مراحل المبادرة والتنفيذ فالتنظيم والتطوير ، حتى أصبحت شبكات التسليح في غضون 3 سنوات منتشرة في القارات الأربع. 

 

الجزائر- وضعت الحركة الوطنية عنصر التسليح في مقدمة انشغالاتها بمجرد الإجماع على الذهاب نحو الثورة المسلحة، فكانت الجهود الأولى في البحث عن السلاح تزامنا مع إنشاء المنظمة الخاصة كجهاز شبه عسكري مكلف بالتحضير للثورة المسلحة، لكن الظروف والهزات التي عرفتها المنظمة منذ صائفة 1949  ثم حلها سنة 1950 أخّر المشروع الثوري ومعه مشروع التسليح إلى اشعار آخر.

ورغم ذلك لا يمكن إنكار “المكسب الذي حققته المنظمة الخاصة” من حيث تدريب الرجال على السلاح والمهام الصعبة، وكذلك في توفير مصادر تمويل لشراء الأسلحة، وأكثر من ذلك توصلت إلى إيجاد مخازن بقايا الأسلحة التي كانت تستخدم في الحرب العالمية الثانية من قبل الحلفاء أو من قبل المحور، ولم يبق إلا المضي نحو وضع إستراتيجية ميدانية واضحة للتسليح.

وتشير المصادر التاريخية إلى أن مجموعة الـستة (6) رغم “جرأتها” في إعلان الثورة بعُدّة بسيطة بل وبأدوات يدوية حتى وليس أسلحة مثل السكاكين والسواطير .. فكانت الإستراتيجية الاولى لمواجهة الواقع هي “سلاحك لدى عدوك”، فكانت مقدمة العمليات التي بدأت بها الثورة تحرص على استرجاع أسلحة العدو للتسلح بها في ظل النقص الفادح لديها.

وفي غضون ذلك لم تغفل قيادة الثورة عن حتمية وضع إستراتيجية للتسليح حيث كان لبوضياف اتصال بالوفد الخارجي المستقر بالقاهرة وتحديدا ببن بلة، حيث اتفقا على خطة لإرسال الأسلحة إلى الجزائر عبر ليبيا وتونس في وقت كان مصطفى بن بولعيد قد اشترى عددا كبيرا من البنادق والذخيرة لدى تجار الأسلحة وخزّنها في الاوراس تحسبا للثورة التي كان يؤمن أنها ستندلع يوما.

ومع الوقت بدأت خطوط الإمداد والتسليح تبحث طريقها في التراب الوطني قادمة من الخارج إما عن طريق الشراء أو المساعدة من الدول العربية والاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية، ويرسل بها إلى الحدود  الشرقية أو الغربية.

ولعل أبرز العمليات في هذه الفترة عملية الباخرة “دينا” التي تم شحنها بمختلف الأسلحة انطلاقا من الإسكندرية من مصر عبر ليبيا فالناظور بالمغرب الأقصى في 18 مارس 1955، عموما كانت أولى الدفعات تصل إلى الجزائر مع حلول فيفري 1955 والأسلحة التي كانت تصل كانت أسلحة خفيفة بمعنى رشاشات، مسدسات، بنادق، قنابل …

بعد انعقاد مؤتمر الصومام، تفطن قادة الثورة إلى ضرورة تنظيم هذا المجال “الحيوي” من خلال جهاز مهيكل، فأوكل الأمر إلى العقيد اعمر اوعمران الذي تأسست على يديه “دائرة التسليح والاستعلامات العامة” (DARG)، بتكليف من لجنة التنسيق والتنفيذ، وهو الجهاز الذي تحول إلى وزارة بعد تأسيس الحكومة المؤقتة تحت تسمية “المالغ MALG ” (وزارة التسليح والمواصلات العامة) تحت قيادة محمود شريف ثم عبد الحفيظ بوصوف.

في عهد الدارغ، بدأت جبهة التحرير الوطني تتعامل مع تجار ومصانع وأسواق الاسلحة في العالم وتجري الصفقات خاصة مع “سماسرة ” السلاح والوسطاء، وبدأ الدعم العربي من دول العراق ومصر وكذا دولة يوغوسلافيا يأخذ منحى تطوريا في الزيادة، وفي هذه الفترة أرسى جهاز التسليح الثوري واستعلاماته “شبكة” التموين  والإمداد اللوجيستي بصفقات مع المافيا الألمانية والإيطالية وحتى الامريكان المفترض أنهم حلفاء فرنسا الاستعمارية، بل وحتى من داخل فرنسا بعدما تمكنت فديرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا من كسب جزء كبير من اليسار الفرنسي وصاروا “حمَلة حقائب” للجبهة، وتواصلت المسيرة مع جهاز “المالغ” الذي ثبت خطوات “الدارغ” وأصبح يكسب ثقة أكثر في أسواق السلاح ولدى الدول الداعمة بعدما بدت خسارة فرنسا وشيكة.

أما عن خطوط التسليح، فتجدر الإشارة إلى أن التراب الجزائري كان يتلقى الإمدادات أساسا على جبهتين، الجبهة الشرقية وهي أهم جبهة تنطلق قاعدتها الخلفية من مرسى مطروح التي تستقبل الاسلحة من الأقطار العربية والاتحاد السوفياتي والصين ودول أوروبا الشرقية لتحمل عبر معبر السلوم إلى قاعدة طرابلس حيث تخزن وتضاف إليها الأسلحة التي تحصل عليها المركز لتنقل إلى تونس عبر بن غردان، ومنها إلى جيش الحدود في غار الدماء، مع الإشارة إلى أن بعض الاسلحة كان يستفيد منها “اليوسفيون” في بادئ الأمر ضد فرنسا ثم ضد بورقيبة.

وعلى الجبهة الغربية حيث تصل الأسلحة التي ترسلها البواخر من الدول الصديقة إلى المغرب ومنها تحمل إلى وجدة ثم التراب الوطني، كما أصبحت المصانع السرية التي أشرف عليها منصور بوداود بالمغرب (تطوان) تضخ هي الاخرى شحنات من السلاح إلى  جيش التحرير الوطني، لكن رغم ذلك عاني جيش الداخل كثيرا في السنوات الاخيرة من الثورة وتحديدا منذ تشديد الجنرال شال وقبله الوزير موريس الخناق على الشريط الحدودي بالأسلاك الشائكة والألغام، ما جعل وصول الاسلحة  إلى الولايات الوسطى (الثالثة والرابعة) أمرا عسيرا جدا، حتى أن الرائد بورقعة قال يوما إنهم كانوا يحتسبون خراطيشهم  رصاصات رحمة، ليتكدس السلاح عند جيش الحدود ويتحول إلى سلاح الجيش الوطني الشعبي غداة الاستقلال.