في ذات يوم كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يصلي بالصحابة الكرام رضي الله عنهم إمامًا، فأطال السجود، وإذا بالقلق يغزو قلوب الصحابة رضي الله عنهم! حتى ظنَّ بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قُبِضَ، وبعضهم ظنَّ أن مرضًا أصاب النبي صلى الله عليه وسلم فجعَله لا يقْوى على الحركة، وبعضهم ظنَّ أن الوحي نزل عليه، وبعضهم ظنَّ أنها دعوة ومناجاة، حتى إن أحد الصحابة واسمه شَدَّاد بن الهاد رضي الله عنه يقول عندما أطال النبي صلى الله عليه وسلم السجود: رَفَعْتُ رَأْسِي وَإِذَا بالحسن أو الحسين عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ سَاجِدٌ، فَرَجَعْتُ إِلَى سُجُودِي، وبعد الصلاة إذا بالصحابة رضي الله عنهم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لك يا رسول الله أطلت علينا السجود؟ سجدت سجدةً أطلْتَها حتى ظننَّا أنَّه قد حدث أمر، أو أنَّه يُوحى إليك؟! فيقول لهم النبي صلى الله عليه وسلم: “كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي – يعني جعلني راحلة وركب علي – فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ ” رواه النسائي.
هذا هو نبيُّكم صلى الله عليه وسلم، وهذه هي طريقة تعامُله مع الأطفال في المساجد، وهكذا كانت رحمته وشفقته بالأطفال أثناء الصلاة، حتى وإن كان إمامًا بالناس ترك الطفل يلعب على ظهره لكي يحقِّق لعبه.
يقول العماء رحمهم الله: في هذا الموقف دلالة واضحة على أن الأطفال كانون يأتون إلى المساجد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ويلعبون ويمرحون، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعاملهم المعاملة الطيبة، وكان الواحد منهم يركب على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، فيتركه يلعب ويلعب، ولا يقطع عليه لعبَه حتى ينتهي هو مِن لعبِه. فأين المسلمُ الذي ينزعج من وجود الأطفال في المساجد وصلاتهم بجانبه من هذا الموقف النبوي؟! أين الذي لا يتحمل لعبَ الأطفال وحركتَهم الزائدة في المساجد من هذا التعامل النبوي؟! أين الذي إذا أخطأ الطفل أمامَه في المسجد، أو أساء التصرف، أو ضحك في صلاته، قام مباشرة بتعنيف الطفل ورفع صوته عليه، وربما تصل الحالة به إلى ضربه وطردِه من المسجد، أين هذا من الرحمة واللطف واللين التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل بها مع الأطفال في المساجد؟!. إن النبي صلى الله عليه وسلم كان رحيمًا بالأطفال، كان يفرح بوجود الأطفال في المساجد، كان يبتسم معهم، ويمزح معهم، ويلاطفهم ويدخل السرور عليهم، لم ينزعج في يوم من الأيام من بكاء طفل أو من لعبه داخل المسجد، ولو نظَرنا في سيرته العطرة مع الأطفال، لرأينا مواقفَ كثيرة تبيِّن لنا مدى حبِّه ورحمته بالأطفال.
وفي ذات يوم كان رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر، فَأَقْبَلَ الْحَسَنُ، وَالْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَعْثُرَانِ وَيَقُومَانِ، فماذا فعـل النبي صلى الله عليه وسلم؟ َنَـزَلَ من على المنبـر فَأَخَذَهُمَا، فَصَعِدَ بِهِمَا الْمِنْبَرَ، ثُمَّ قَالَ: “صَدَقَ اللَّهُ: ” إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ” التغابن: 15، رَأَيْتُ هَذَيْنِ فَلَمْ أَصْبِرْ “، ثُمَّ أَكمل خطبته صلى الله عليه وسلم. رواه أبو داود. هكذا كان الأطفال يبكون في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فلم ينزعج لبكائهم أو يطرُدهم، أو يأمر الأمهات بعدم إحضار أبنائهنَّ تجنبًا للإزعاج، أو يأمر الأم التي يبكي طفلها بمغادرة المسجد عند بكائه، كلا لم يفعل ذلك رسولنا الرؤوف الرحيم شيئًا من هذه الغلظة على الإطلاق، بل كان يراعي الصغار ويقدِّر وجودهم، ويختصر الصلاة ويخفِّفها من أجلهم. لقد صدق الله العظيم يوم أن وصف نبيَّنا صلى الله عليه وسلم بقوله” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ” الأنبياء: 107.