معاشر الآباء والأمهات إن مسؤوليتنا كبيرةٌ أمام الله في أولادنا ذكورا وإناثا، يقول الله سبحانه وتعالى وهو يحدد هذه المسئولية ” يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ” التحريم: 6، ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا “، فالله سبحانه ينادي بأحب وأعظم نداء، نداء الإيمان ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ ” ، ابدأ بنفسك أولا، لأن الذي يُنقذ نفسه ينقذ غيره، والذي فيه خير لنفسه فيه خير لغيره ” قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ” ، ربنا سبحانه لم يقل: قوا أنفسكم وأهليكم جوعاً أو عطشا أو مرضا أو بردا أو حرا، فهذه جوانب ثانوية، وأما الشيء الأساسي، الأصل في هذه المسؤولية التي نتحملها، أن نقي أنفسنا وأولادنا وأهلينا من النار.
ولعظيم شأن هذه المسؤولية، نرى خيرة الخلق، الأنبياء، يسألون الله لأولادهم ولذريتهم الصلاح والهداية، فهذا الخليل إبراهيم عليه السلام وهو يدعو ربه قائلا: ” رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ” ، وزكرياء عليه السلام ينادي ربه قائلاً ” رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ _لدُّعَاءِ ” ، والمؤمنون الصالحون الأخيار، يقولون في دعائهم كما أخبر الله عنهم: ” رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا “، والرجل الصالح الذي أنعم الله عليه بنِعَمه، يتذكَّر نِعَم الله عليه فيقول: ” رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ” الأحقاف: 15، فو الله ما سألوا الله الذرية الصالحة وقعدوا عن فعل الأسباب، فإن الشرع والعقل كل منهما يقتضي أنك إذا سألت الله شيئًا، فلابد أن تفعل ما تقدر عليه من فعل الأسباب، فإذا سألت ربك صلاح الأولاد والذرية، فلابد أن تسعى بما تقدر عليه من أسباب ذلك لتكون نعمة الأولاد منحة.
إن تربية الأولاد وتعليمَهم والاهتمام بهم، لأمرٌ عظيمٌ له شأنه الأكبر وخطره الجسيم في حياتنا الدينية والاجتماعية والخُلُقية، فهم قوى المجتمع المنتظَر، ودعائمُه التي سيقوم عليها، وعليهم بعد الله يتوقَّف رقيُّ الأمة وسموُّها وتقدُّمُها.
ولكنهم اليوم أمام خطر عظيم، وغزو هائل متواصل متستر ببعض الثقافات لهدم عقائدهم وإفساد أخلاقهم، وانتزاع روح الإباء والغيرة والعفاف من نفوسهم، إن مشكلة أولادنا اليوم لهي أم المشاكل، فلأن نخسر الأموال والوظيفة والتجارة والمناصب، أيسر وأهون من أن نخسر أولادنا ومستقبلهم. فيا معاشر الآباء والأمهات، لنهتم بتربية أولادنا ورعايتهم، ولنجعل ذلك مهمتنا الأولى، ولا نشتغل عنهم بملذاتنا وأهوائنا، فأولادنا بأمسّ الحاجة إلى التربية والرعاية، بأمسّ الحاجة إلى دعوات منا بأن يحفظهم الله ويرزقهم الثباتَ والاستقامة.