أوسكين”: الإرهاب الفرنسي

أوسكين”: الإرهاب الفرنسي

يمثل مسلسل “أوسكين” التلفزيوني القصير، أول الإنتاجات الفرنسية لمنصة “ديزني بلس”، ويرتكز على أحداث حقيقية، محاكياً قصة معاناة عائلة جزائرية بعد مقتل ابنها الشاب على أيدي قوات الأمن الفرنسية، والنضال من أجل حفظ ذكرى الضحايا وكرامتهم، ومناورات دولة عنصرية لإخفاء الحقيقة.

وفي المسلسل، على غرار إنتاجات سابقة حاكت قصص عنف الشرطة، يروي أنطوان شيفرولييه قصة الشاب مالك أوسكين: تعرَّض للضرب والركل حتى الموت. في البطن، وفي الظهر، وفي الرأس. يقول إنه لم يفعل شيئاً، لأنه لم يفعل شيئاً في الحقيقة. تمتماته المستغيثة لم تهدّئ من عنف جلّاديه. دمه يتناثر على جدران مدخل البناية حيث توسّم العثور على ملجأ، ولم يجده. الإسعافات الأولية لا تفيد. نقلته سيارة إسعاف إلى مستشفى كوشين في باريس، حيث أعلنت وفاته في الثالثة من صباح السادس من ديسمبر 1986. كان عمره 22 عاماً، وهو فرنسي من أصل جزائري يحبّ موسيقى الجاز.. كان عائداً إلى شقته بعد حفلة رائقة لمطربته المفضّلة نينا سيمون لكن ثلاثة من رجال الشرطة قرروا إنهاء حياته.

في مقابلة صحافية، وصف المؤرخ الفرنسي باسكال بلانشارد، مالك أوسكين، بـ “جورج فلويد الفرنسي”. ربما هذا هو السبب في أن قصة أوسكين مألوفة جداً، حتى لأولئك الذين لم يسمعوا الاسم مطلقاً قبل إصدار المسلسل: إنها واحدة من تلك القصص التي تحدث طوال الوقت وفي كل مكان وبشكل متماثل. لم يكن شيفرولييه نفسه قد سمع عن أوسكين من قبل، إلى أن تعرّف على قصته من خلال أغنية راب بعنوان “جريمة دولة” لفرقة “أساسين”، وردت فيها عبارة “الدولة تغتال، ومالك أوسكين على ذلك مثال”. في العام نفسه لصدور الأغنية، لعب الممثل فينسينت كاسِل، عمّ أحد أعضاء فرقة الراب، بطولة فيلم “الكراهية” من تأليف وإخراج وتحرير ماتيو كاسوفيتز.

ويوضّح المسلسل بشكل لا لبس فيه أن حالة “أوسكين”، ما زالت صالحة حتى اليوم، وهو يفعل ذلك من دون الإشارة بمطرقة ثقيلة أو الصراخ. العنصرية والتمييز، وعنف الشرطة وإساءة استخدام العدالة، وتصعيد الاحتجاجات.. كلها أمور موجودة اليوم، ليس فقط في المجتمع الفرنسي، كما كانت قبل 36 عاماً.

أخيراً، “أوسكين” هو مسلسل عن الحقيقة، والجهد الأبدي والضائع لتحقيق السلام والعدالة من خلالها، عن طقوس وعادات عقيمة ومفلسة (تحقيقات، محاكمات، استفسارات صحافية، أعمال روائية) نقترفها من جديد في كل مرة أثناء محاولة بلوغ ما لا يُبلغ. “لا سلام بلا عدالة”، يردد المتظاهرون خارج قاعة المحكمة كل يوم، خلال محاكمة ضابطي الشرطة المتهمين بقتل أوسكين. لكن إن كانت ثمة جملة تلخّص “أوسكين” بمثالية، فليس عبثاً أن تأتي على لسان الكاهن أثناء محادثة مع شرطي متنفّذ: “الحقيقة هي السبيل الوحيد المنشود. وهذا يسري على الكاهن، مثلما على الشرطي”.

ق/ث