هذه الحياة الدنيا هي مزرعة الآخرة والسعيد هو من وفق فيها لعمل الصالحات وما يحقق له رفعة الدرجات ومرضاة رب الأرض والسماوات، وقد قال الله تبارك وتعالى: ” إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ” النساء: 40، وقال سبحانه: “فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ” الزلزلة: 7- 8، إن الأعمال الصالحة التي يتقرب بها العبد إلى ربه ويطلب بها مرضاته كثيرة لا حصر لها، ويكفي أن تعلم أن كل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تكبيرة صدقة، وقد ذكر أهل العلم أن أعظم الصدقات ما كان نفعه متعديًا للآخرين، فكل ما ينفعهم ويدخل السرور عليهم فهو صدقة، فتبسُّمك في وجه أخيك صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، والسلام على عباد الله صدقة، وإعانة الرجل على دابته عندما يركب السيارة تعينه على ذلك وترفع له متاعه فيها، فذلك صدقة، وإماطة الأذى عن طريق الناس صدقة، ويشمل ذلك عدم رميك للنفايات في طريقهم من نافذة سيارتك أو رمي النفايات أمام بيوتهم، أو في مكان جلوسهم.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك صدقة، ويشمل ذلك حين تصب لأخيك كوبًا من الشاي أو من العصير أو من الماء فهو صدقة، والقشَّة والأذى في المسجد ترفعه وتخرجه صدقة، والإنسان الأعمى الذي لا يعرف أين يذهب تأخذ بيده، فتدله على طريقه صدقة، وكذلك حين تهدي الضال الذي لا يعرف أين يذهب، ويسأل عن مكان ما أو عنوان معين، فتدله وتقول له: على اليمين أو على الشمال، وما أشبه ذلك صدقة، فأنت أيها المسلم تعيش في أنواع من الصدقات من حيث لا تشعر، صدقات خاصة وصدقاتٌ عامة، فلله الحمد والشكر على نعمه وآلائه على عباده حين فتح لهم أبواب الخيرات، وعدَّد لهم طرق الحسنات. كما هناك نوع آخر من الصدقات يجري أجرها وثوابها لك حتى بعد مماتك، تسمى الصدقاتٌ الجارية، الصدقاتُ الجارية قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم، كما ورد في الحديث الصحيح: “إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ”. هذه ثلاثة أعمال يجري للإنسان أجرها حتى بعد موته: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، وقد جاء المراد بالصدقة الجارية مفصلًا في الأحاديث الأخرى، وكل عمل صالح ينفع الناس والحيوان هو صدقة جارية: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “سَبْعَةٌ يَجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا، أَوْ أَجْرَى نَهَرًا، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا، أَوْ غَرَسَ نَخْلًا، أَوْ بَنَى مَسْجِدًا، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا، أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ”.