أنوار من جامع الجزائر.. مكانة المعلم – الجزء الأول –

أنوار من جامع الجزائر.. مكانة المعلم – الجزء الأول –

إنّ اللّهَ عزّ وجلّ بعث رسولَهُ صلّى اللّه عليه وسلّم معلِّمًا ومربِّيًا، ومبشِّرًا ونذيرًا، كما قال تعالى: “هُوَ اَّلذِي بَعَثَ فِي الاُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمُ اَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ” الجمعة:02؛ وفي صحيح مسلمٍ أنّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال “إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا”. فكان صلّى اللّه عليه وسلّم معلِّمًا ومرشِدًا وداعِيًا إلى اللّهِ بإذنِهِ وسِرَاجًا منيرًا، أفرَغَ العقولَ من الجهلِ، ومَلَأَهَا بالعِلْمِ والحِكْمَةِ، وزَكَّى النّفوسَ وطَهَّرَهَا من كُلِّ ما يشوبُهَا أو يُشِينُهَا، فنجدُهُ عليه الصّلاةُ والسّلامُ بتعليمِهِ العلم، صَنَعَ جيلًا فريدًا وأُمَّةً جديدَةً، بل وأنشأ من كُلِّ وَاحِدٍ خَلْقًا آخَرَ، فلو رأيتَ مثلًا عمرَ بنَ الخطّابِ رضي اللّه عنه في الجاهليَّةِ، وعمرَ بنَ الخطّابِ في الإسلَامِ، لرأيتَ تغيُّرًا جذرِيًّا على كُلِّ الأصعدَةِ وفي كُلِّ المستويَاتِ، فتحوَّلَ رضي اللّه عنه من رَجُلٍ عَابِدٍ للأوثَانِ مُغْرَمٍ بالخمرِ والموبقَاتِ، إلى رَجُلٍ من أعظَمِ القَادَةِ في الإسلَامِ،عِلْمًا وعَدْلًا وعبادَةً وزُهْدًا، وهكذا جميعُ أصحابِهِ الكِرَامِ رضي اللّه عنهم. لقد رَغَّبَ النّبيُّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ في التّعليمِ، وبَشَّرَ المعلِّمَ بالأجْرِ الوفيرِ يومَ القيامَةِ، كما روى ابن ماجه والطبرانِيُّ عن معاذِ بنِ أنسٍ رضي اللّه عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: “مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا فَلَهُ أَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهِ، لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الْعَامِلِ”؛ فكُلُّ عَمَلٍ يَنْبَنِي على تعليمِكَ ــ أيّها المعلِّم ــ ستجِدُهُ إن شاء اللّهُ في سِجِلِّ حسناتِكَ يومَ القيامَةِ، ويكفي المعلِّمُ شَرَفًا أنّه من وَرَثَةِ الأنبيَاءِ،كما روى ذلك أبو داودَ والتّرمذيُّ وابن ماجه عن أبى الدّرداءِ رضي اللّه عنه قال:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “العُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِرْهَمًا وَلَا دِينَارًا، وَلَكِنْ وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَن أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ”. ومن حَظِّ المعلِّمِ أنّ أجرَهُ وثَوَابَهُ لا ينقطِعُ، بل يستمِرُّ إلى ما بعد موتِهِ، ففي صحيح مسلِمٍ عن النّبيِّ عليه الصّلاة والسّلام أنّه قال: “إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ”.  وإن كان الرّسولُ الكريمُ صلّى اللّه عليه وسلّم قد خَصَّ صَاحِبَ العِلْمِ، فإنَّنَا نَجِدُ الصَّدَقَةَ الجاريَةَ التي يبقى أجرُهَا، سَبَبُهَا هو العِلْمُ بفضلِهَا وثوابِهَا، والولَدُ الصّالِحُ كذلك، إنّما هو ثمرَةُ التّربيَةِ والتّزكيَةِ التي تقومُ على العِلْمِ، فمنشَأُ كُلِّ فَضْلٍ وخيرٍ يعودُ إلى العِلْمِ، ويكفي المعلِّمُ فَخْرًا وسَعَادَةً أنّ المخلوقَاتِ تستغفِرُ له وتدعُو له،ففي حديثِ التّرمذيِّ قال رسولُ اللّهِ صلّى الله عليه وسلّم: “إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَاضِينَ، حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الْحُوتَ فِي الْبَحْرِ، لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِي النَّاسِ الْخَيْرَ”. فأبشروا أيّها المعلّمون بالعَطَاءِ الجزيلِ والخيرِ الوفيرِ، فأنتم من بين مَعَاشِرِ أهْلِ الإيمَانِ، خَصَّكُمْ اللّهُ بهذه الدّرجَةِ والمنزِلَةِ.

الجزء الأول من خطبة الجمعة من جامع الجزائر