أنوار من جامع الجزائر.. محبة النبي عليه الصلاة والسلام -الجزء الأول-

أنوار من جامع الجزائر.. محبة النبي عليه الصلاة والسلام -الجزء الأول-

قال اللّهُ تعالى في مُحْكَمِ التِّبيانِ، وهو أصدَقُ القائلين: “لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا” الأحزاب: 21. إنّ من رحمَةِ اللّهِ تعالى بعبادِهِ، أن شَرَعَ لهم الشّرائِعَ، وأنزلَ عليهم الكُتُبَ، وبَعَثَ إليهم الرُّسُلَ والأنبيَاءَ، لئلا يكونَ للنّاسِ على اللّهِ حجَّةٌ بعد الرُّسُلِ، سُنَّةَ اللّهِ في خلقِهِ، ولن تَجِدَ لها تبديلًا ولا تحويلًا، وبعدَ بعثَةِ آخِرِ رسولٍ عيسى ابنِ مريم عليه السّلام وانقطَاعِ الوَحْيِ، وبَدَأَ الانحرَافُ، وعُبِدَتْ الأصنَامُ من دونِ اللّهِ، وطُمِسَتْ مَعَالِمُ التّوحيدِ النَّقِيِّ، يبزُغُ نُورُ الحَقِّ المبينِ؛ ببعثَةِ حبيبِ رَبِّ العالمين؛ محمَّدٍ الأمينِ؛ عليه أفضلُ صلواتِ اللّهِ وأَزْكَى التَّسْلِيمِ، فيستكمل مسيرَةَ إخوانِهِ من الأنبياءِ والمرسلين. إنّه الرّسولُ الكريمُ؛ بَشَّرَ ببعثتِهِ الأنبيَاءُ من قَبْلِهِ، فقال عزَّ من قائِلٍ: “وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ” الصف: 6، لقد اصطفى اللّهُ تعالى لرسالتِهِ رَجُلًا أمينًا؛ صَادِقًا، حسيبًا نسيبًا؛ شريفًا في قومِهِ، فكان بِحَقٍّ رحمَةً للعالمين؛ وسَيِّدًا للأوَّلِينَ والآخِرِينَ، فقال تعالى: “لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ” آل عمران: 164. إنّ الحديثَ عن محبَّةِ المصطَفَى عليه السّلامُ، إنّما هو حدِيثٌ عن مسألَةٍ من أَهَمِّ مسائِلِ العقيدَةِ الإسلاميَّةِ، التي ينبغي الوقوف عندها مَلِيًّا، وليس أَدَلَّ على ذلك من ارتبَاطِ المحبَّةِ بكَمَالِ الإيمَانِ وتجذُّرِهِ في الفُؤَادِ. إنّ محبَّةَ رسولِ اللِّه عليه الصّلاةُ والسّلامُ أمارَةٌ قويَّةٌ على رسوخِ الإيمَانِ في القلْبِ، وإذا أردنا أن ندلِّلَ على علاقَةِ محبَّةِ الرّسولِ عليه الصّلاةُ السّلامُ بكمَالِ الإيمَانِ وذِوْقِ حلاوِتِهِ، فلنستمِعْ إلى ما يقرِّرُهُ سيِّدُنَا رسولُ اللّهِ صلّى اللّه عليه وسلّم، كما في حديثِ البخاريِّ عن أنسٍ رضي اللّه عنه: “لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ، وَوَلَدِهِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ” ، وفي البخاريِّ أيضا عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ: “كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ، وَاللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الآنَ يَا عُمَرُ”. وعند الشّيخين من حديثِ أنسٍ رضي اللّه عنه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال “ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ”.

 

الجزء الأول من خطبة الجمعة من جامع الجزائر