اسْتَقْبِلُوا شَهْرَ شَعْبَانَ بتَجْدِيدِ العَهْدِ مع اللّهِ سبحانَهُ وتعالَى، لبَدْءِ صَفْحَةٍ بَيْضَاءَ نَاصِعَةٍ، واسْتَكْثِرُوا من الصِّيَامِ وتِلَاوَةِ القُرْآنِ، وسَائِرِ الطَّاعَاتِ، وتَأَهَّبُوا لرَمَضَانَ شَهْرِ المَكْرُمَاتِ والأُعْطِيَاتِ. ومِمَّا وَرَدَ في فَضَائِلِ شَهْرِ شَعْبَانَ تَحْوِيلُ القِبْلَةِ من بَيْتِ المَقْدِسِ ــ فَكَّ اللّهُ أَسْرَهُ ــ إلى المَسْجِدِ الحَرَامِ ــ أَعْلَى اللّهُ قَدْرَهُ ــ على المشهورِ من أقْوَالِ أَهْلِ العِلْمِ، حيث حُوِّلَتْ في النِّصْفِ منْ شَعْبَانَ بعْدَ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينَةَ المنوّرَةَ، فقد رَوَى أَصْحَابُ الصِّحَاحِ، واللَّفْظُ للبخَارِيِّ عن البَرَاءِ بن عَازِبٍ رضي اللّهُ عنهمَا قَالَ: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: “قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ” البقرة: 144، فَتَوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، وَقَالَ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ، وَهُمُ اليَهُودُ: “مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا، قُلْ لِلَّهِ المَشْرِقُ وَالمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ” البقرة: 142، فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ مَا صَلَّى، فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي صَلاَةِ الْعَصْرِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ: هُوَ يَشْهَدُ: أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ تَوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، فَتَحَرَّفَ القَوْمُ، حَتَّى تَوَجَّهُوا نَحْوَ الْكَعْبَةِ”. هذه نَسَمَاتُ شَعْبَانَ الخَيْرِ تَنْزِلُ بِسَاحَتِكُمْ، وذِي بَرَكَاتُ أَيَّامِهِ ولَيَالِيهِ تَطْرُقُ بَابَكُمْ، فَتَعَرَّضُوا لنَفَحَاتِهِ، واعْقِدُوا العَزْمَ الأَكِيدَ على إِصْلَاحِ مَا اعْوَجَّ في سَالِفِ أَيَّامِكُمْ، وَطَلِّقوا أَحْقَادَكُمْ، وتَجَاوَزُوا خِلَافَاتِكُمْ، وَطَهِّرُوا أَفْئِدَتَكُمْ، وَاشْكُرُوا اللَّهَ على نِعَمِهِ الوَافِرَةِ التي حَبَاكُمْ بها، وإِنَّ لَنَا مَوْعِدًا مُبَارَكًا في النِّصْفِ من شَعْبَانَ مع حَفْلٍ إيمَانِيٍّ بَهِيج، نَسْتَذْكِرُ فيه افْتتَاحَ جَامِعِ الجَزَائِرِ بصِفَةٍ رَسْمِيَّةٍ، وَنَسْتَعْرضُ فيه أَهَمَّ مَا تَمَّ إنْجَازُهُ وتَحْقِيقُهُ في عَامنَا المنْصَرمِ، فكونوا في المَوْعِدِ، وأَقْبلوا على جَامعكُمْ بكلِّ حبٍّ، وانْهَلُوا من خيْرَاتِه، واقْتَبِسُوا من أَنْوَارِهِ. اللّهمّ لا تَدَعْ لنا في هذا المَقَام ذَنْبًا إلّا غفرْتَهُ، ولا هَمًّا إلا فَرَّجْتَهُ، ولا دَيْنًا إلّا قَضَيْتَهُ، ولا مريضًا إلّا شَفَيْتَهُ، ولا عَدَوًّا إلّا خَذَلْتَهُ وقَصَمْتَهُ، اللّهمّ انْصُرْ مَن نَصَرَ الدّينَ، واخْذُلْ من خَذَلَ المسلمين. اللّهمّ خُذْ بِيَدِ إخوَانِنَا الفلسطينيين إلى البِرِّ والتَّقَوى، اللّهمّ أَطْعِمْ جَائِعَهُمْ، وَاسْتُرْ عَارِيَهُمْ، وأَمِّنْ خَائِفَهُمْ، وتَقَبَّلْ شَهِيدَهُمْ، وانْصُرْهُمْ على عَدُوِّك وعَدُوِّهِمْ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. اللهُمَّ تقبَّلْ شهدَاءَنَا كما تتقَبَّلُ عبادَكَ الصَّالحينَ، اللهُمَّ ارحمْ شهدَاءَ الَأْقصَى المبارَكِ، اللهُمَّ ارحمْ شهداء غزَّةَ العِزَّةِ، اللهُمَّ ارحمْ شهدَاءَ فلسْطِينَ الأبِيَّةِ يا ربَّ العَالمينَ. اللّهمّ إنّا نَسْألُكَ الإصلَاحَ في الوَلَدِ، والعَافِيَةَ في الجَسَدِ، والأَمْنَ في البَلَدِ.
الجزء الثاني والاخير من خطبة الجمعة من جامع الجزائر