أنوار من جامع الجزائر.. في ذكرى عزيزة على أمتنا – الجزء الثاني والأخير –

أنوار من جامع الجزائر.. في ذكرى عزيزة على أمتنا – الجزء الثاني والأخير –

لقد مَرَّتْ بنا قَبْلَ أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ ذِكْرَى عَزيزَةٌ مَاجِدَةٌ، إنَّهُ يومٌ عَظِيمٌ من أَيَّامِ اللّهِ الخَالِدةِ، أَضَافَتْهُ أُمَّتُنَا المَجِيدَةُ إلى الشَّهِيدِ إِضَافَةً حَقِيقِيَّةً تَتَجَاوَزُ الإِضَافَةَ في عِلْمِ النَّحْوِ العَرَبيِّ، إنَّهُ الشَّهِيدُ الذِي أَعْلَى اللّهُ قَدْرَهُ، وَنَوَّهَ بكَرِيمِ مَقَامِهِ، وَوَكَّدَ على صِدْقِ إِيمَانهِ، فَهنيئًا لشهدَائِنَا الأبْرَارِ هذا المَقامُ العالِي عنْدَ البارِي جلَّ وعَلَا. ولمَّا كَانَتِ الشَّهَادَةُ جُودًا بالمُهَجِ والأَرْوَاحِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللّهِ سبحانَهُ، فإنّ الشَّهِيدَ هُوَ الذي أدَّى وَاجِبَهُ كَامِلًا غيرَ مَنْقُوصٍ، فَاسْتَحَقَّ بذلكَ أَرْقَى مَقَامَاتِ الإِحْسَانِ بجَدَارَةٍ، فَكَانَتْ مَنْزِلتُهُ معَ النَّبيِّين والصِّدِّيقِينَ والصَّالِحِينَ والعلمَاءِ؛ وحَسُنَ أولَئِكَ رَفِيقًا. ومنْ أيَّامِ أُمَّتِنَا التِي تَبْعَثُ على الفخْرِ والاعْتزَازِ: اليَوْمُ الوطَنِيُّ للأُخُوَّةِ والتَّلاحُمِ بينَ الشَّعْبِ وجيشِهِ، المُوافِقِ الثَّانيَ والعشْرِينَ من شَهْرِ فبراير، وهذَا التَّلاحُمُ الذِي تُرْجِمَ بترسِيمِهِ يومًا وطَنِيًّا، هُوَ بحَقٍّ تُرْجُمَانٌ للمَعَانِي الجَليلَةِ التِي جاءَ بهَا دينُنَا الحَنِيفُ، حيثُ يقُولُ اللهُ تعَالَى فِي مُحْكَمِ البَيَانِ، منوِّهًا بمتَانَةِ الأخُوَّةِ الإيمَانِيَّةِ بين المُؤْمنينَ: “إنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ” الحجرات: 10، ويقولُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ كمَا عنْدَ مُسْلِمٍ من حَدِيثِ النُّعمَانِ بنِ بَشِيرٍ رضيَ اللهُّ عنْهُ: ” مَثَلُ المُؤْمِنينَ فِي توَادِّهِم وتَرَاحُمِهِم وتَعَاطُفِهِم مَثَلُ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى منْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى”. فَهَنِيئًا لشَعْبٍ كَرِيمٍ تَلَاحُمُ جيْشٍ أَمِينٍ قَوِيٍّ بهِ: يَحْمِي الثُّغُورَ، ويَسْهَرُ عَلَى أَمْنِ البِلَادِ والعِبَاِد، بِانسِجَامٍ معَ كلِّ الأَسْلَاكِ الأَمْنِيَّةِ، يَصْدُقُ فيهَا قَوْلُ الذِي لَا يَنطِقُ عنِ الهَوَى، كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ بإسْنَادٍ حَسَنٍ، عنْدَ أَحْمَدَ فِي الزُّهْدِ، ومَجْمَعِ الزَّوَائِدِ، واللَّفْظُ لأَبِي يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ: “عَيْنَانِ لا تَمَسُّهُمَا النَّارُ أبدًا: عَيْنٌ بَاتَتْ تكلأُ المُسْلِمِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وعَيْنٌ بَكَتْ منْ خَشْيَةِ اللهِ” وَطُوبَى لِجَيشٍ عَظِيمٍ التِفَافُ شَعْبٍ عَرِيقٍ بِهِ، يَمُدُّهُ بيَدِ العَوْنِ والتَّأْيِيدِ، فَاللَّهُمَّ أَدِمْ عَلَيْنَا نِعَمَكَ الكثِيرةَ وآلاَءَكَ العظِيمَةَ. إنَّ رَمَضَانَ الخَيرِ قَابَ قَوسَيْنِ منَّا أو أَدْنَى، وإنَّ نَسَائمَهُ لَتَلُوحُ في الأُفُقِ القَرِيبِ، وإنَّ نَفَحَاتِهِ العَطِرَةَ لا تُصِيبُ إلّا مَنْ أَعْلَنَهَا تَوْبَةً نَصُوحًا صَادقَةً خَالصِةً للّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، فَلْنَسْتَعِدَّ للقَاءِ ضَيْفِ الرَّحْمَنِ بالإقْلَاعِ عَمَّا اعْتَدْنَاهُ في سَائِرِ الأَيَّامِ من حَسَدٍ وبَغْضَاءَ وشَحْنَاءَ، وَغِيبَةٍ ونَمِيمَةٍ وَرِيَّاءٍ، وَأَكْلِ الرِّشَى وَالرِّبَا والاعْتِدَاءِ، وَعُقُوقِ الوَالِدَيْنِ وَقَطْعِ الأَرْحَامِ ومُعَادَاةِ الأَصْدِقَاءِ، وَهَمْزِ النَّاسِ والوُقُوعِ في أَعْرَاضِهِمْ وَالطَّعْنِ في سَادَاتِنَا العُلَمَاءِ، ومُعَادَاةِ أَوْلِيَاءِ اللّهِ والانْتِقَاصِ من أَقْدَارِهِمْ والاسْتِهْزَاءِ، وإِشَاعَةِ الفَاحِشَةِ وَالرَّذِيلَةِ والمُنْكَرِ في الأَرْجَاءِ، فَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فيهِ إلى بَاسِطِ الأَرْضِ وَرَافِعِ السَّماَءِ.             فَأَقْبِلُوا عَلَى اللّهِ بقلوبٍ نَقيَّةٍ وأَجْسَادٍ طَاهِرَةٍ، وعَزَائِمَ صَادِقَةٍ، وَتَوْبَةٍ خَالصَةٍ نَصُوحٍ، فإنَّ شَهْرَ التَّوْبَةِ يَنْتَظِرُ ببَابِكُمْ، وَلَحَظَاتِ الحَوْبَةِ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى مِنْكُمْ، فَشَمِّرُوا عن سَاعِدِ الجِدِّ لِاسْتِقبَالِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ والقُرْآنِ بالإحْسَانِ، فاللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا في شَعْبَانَ، وتَقَبَّلْهُ منَّا، وبَلِّغْنَا رَمَضَانَ، وَوَفِّقْنَا لمَرضَاتِكِ والجنَانِ، “وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”.

الجزء الثاني والأخير من خطبة الجمعة من  جامع الجزائر