أنوار من جامع الجزائر.. في ذكرى اليوم العالمي للغة العربية – الجزء الأول –

أنوار من جامع الجزائر.. في ذكرى اليوم العالمي للغة العربية – الجزء الأول –

قالَ اللّهُ تعالى في مُحْكَمِ تبيانِهِ، وهو أصدَقُ القَائلينَ: “وَإنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ منَ الْمُنْذِرِينَ، بِلِسَانٍ عرَبِيٍّ مُبِينٍ” الشعراء: 192 ــ 195. أمّة القرآن:لقد أَكْرَمَكُمُ اللهُ تعالى بإنْزَالِ أعْظَمِ كتَابٍ سَمَاويٍّ عَرَفَتْهُ البشريَّةُ، ضَمَّنَهُ أفضَلَ العَقَائِدِ والشَّرَائِعِ والأخلَاقِ، دستورًا للعالمينَ، إنّه القرآنُ الكريمُ، الذي لا يَأْتِيهِ البَاطِلُ من بين يَدَيْهِ ولا من خَلْفِهِ، إذْ إِنَّه تنزيلٌ من حكيمٍ حميدٍ، ومن بَدِيعِ ما يَسْتَوْجِبُ التَّدبُّرَ والتَّفَكُّرَ، أنَّ إرادَةَ اللّهِ وعنايَتَهُ اختارَتِ اللّغَةَ العربيَّةَ وِعَاءً لمَعَانِي وَحْيِهِ، تشريفًا وتكريمًا، فقال تعالى حَاكِيًا عن آخِرِ كُتُبِهِ: “حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ” الزخرف: 1 ــ 3. إن اقترَانَ اللّغَةِ العربيَّةِ بالقرآنِ، هو سِرُّ الرِّفْعَةِ والخُلُودِ، فَشَرَفُهَا من شَرَفِهِ، فهُوَ الكَلَامُ المعجِزُ بلفظِهِ ومعنَاهُ، تَحَدَّى اللّهُ به أربَابَ البَيَانِ، وأَسَاطِينَ البَلَاغَةِ مِمَّن مَلَكَ ناَصيتَهَا، فَتَصَدَّعُوا عنهُ، وهُم أهلُ صِناعةِ الحرفِ العربِيِّ، فقال تعالى “قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا” الإسراء:88.

وسِرُّ تخصِيصِ اللهِ تعالَى الأمَّةَ بالقرآنِ العربِيِّ المعجِزِ، أنها أُمَّةٌ مصْطفاةٌ لفرطِ ذكائِها، وأنَّ رسالتهَا خالِدةٌ إلى أن يرِثَ اللهُ الأرضَ ومَنْ عَلَيْها، فخُصَّتْ لأجلِ ذلك بالمعجِزةِ العقلِيَّةِ الشَّاهِدةِ على صِدْقِ الوحيِ، يقول الحافِظُ السيوطِيُّ رحمَهُ اللّهُ مُتَحَدِّثًا عن معجِزَةِ القرآنِ التي خُصَّ بها أهلُ الإسلَامِ: “اعلمْ أنَّ المعجِزَةَ أمرٌ خَارِقٌ للعادَةِ، مقرونٌ بالتحدِّي، سالِمٌ عن المعارضَةِ، وهي: إما حِسِّيَّةٌ وإما عقلِيَّةٌ، وأَكْثَرُ معجزَاتِ بني إسرائيلَ كَانَتْ حِسِّيَّةً، لبلادتِهِمْ؛ وقِلَّةِ بصيرَتِهِمْ، وأَكْثَرُ معجزَاتِ هذه الأمَّةِ عقليَّةٌ، لفَرْطِ ذكائِهِمْ؛ وكمالِ أفْهامِهِمْ، ولأنَّ هذهِ الشّريعَةَ لمَّا كانتْ باقيَةً على صَفَحَاتِ الدَّهْرِ إلى يومِ القيامَةِ، خُصَّتْ بالمعجِزَةِ العقليَّةِ الباقِيَةِ، ليَرَاهَا ذَوُو البَصَائِرِ…”. إنّ من المقَرَّرِ في دينِنَا الحَنِيفِ أنّ اللّغَةَ العربيَّةَ هي اللِّسَانُ المبينُ، فمنْ تكلَّمَ العربِيَّةَ فهو عَرَبِيٌّ، فقد وَرَدَ في الأثَرِ،كما عندَ ابنِ عَسَاكِرَ في تاريخِ دمشقَ عن أبي سَلَمَةَ مُرْسَلًا: “يَا أَيّهَا النَّاسُ إِنَّ الرَّبَّ وَاحدٌ، وَالأَبَ وَاحِدٌ، وَلَيْسَتْ العَرَبِيَّةُ بِأَحَدِكُمْ منْ أَبٍ وَلَا أُمٍّ، وَإِنَّمَا هِيَ اللِّسَانُ، فَمَنْ تَكَلَّمَ بِالعَرَبِيَّةِ فَهوَ عَرَبِيٌّ”، ويخطئُ من يعتَبرُ العربيَّةَ جِنْسًا أو عِرْقًا يُتَعَصَّب لهمَا، إذ قد تَضَافَرَتِ النّصوصُ على نَبْذِ العصبيَّةِ الجاهليَّةِ، مُوَجِّهَةً إلى الاعتزَازِ بالدِّينِ والخُلقِ، كما قال تعالى “إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ” الحجرات:13، وقد جَاءَ التّرغيبُ في تَعَلُّمِ اللّسَانِ العَرَبيِّ، كما في شُعَبِ الإيمَانِ للبيهَقِيِّ عن سيِّدِنَا عُمَرَ رضي اللّه عنهُ، حيث يقولُ: “تَعَلَّمُوا العَرَبِيَّةَ، فَإِنَّهَا تُثَبِّتُ العَقْلَ، وَتَزِيدُ في المُرُوءَةِ”.

 

الجزء الأول من خطبة الجمعة من  جامع الجزائر