أنوار من جامع الجزائر.. في ذكرى افتتاح جامع الجزائر – الجزء الثالث والأخير –

أنوار من جامع الجزائر.. في ذكرى افتتاح جامع الجزائر – الجزء الثالث والأخير –

بالأمس كنّا نستقبل شهر رمضان؛ فإذا به قد عاد، وكأنّ العام لم يكن إلّا لحظات، مرّت بالأمّة وأفرادها، فمنهم من زادته الأيام إيمانًا وعملاً صالحًا، ومنهم من ألهته الدنيا عن الزاد ليوم المعاد. ها هو رمضان يحلّ بنا من جديد؛   ويكون شاهداً لنا أو علينا. فطوبى لمن يُحسن فيه العمل، والخيبةُ والخسرانُ لمن يضيّعُ فيه الفرصة، ويقعدُ به الكسل وطول الأمل. ولئن كان رمضان زمنًا للسموّ الروحيّ والتجديد الإيمانيّ، فإنّه سيحلّ بنا، وقد أكمل جامع الجزائر عامًا منذ افتتاحه، هذا الصّرح الذي لم يكن مجرّد حجر يرتفع، بل إنّه رسالةٌ تُبنى، ومنارةٌ تُضيء، ومجلسُ علم يُحيي معانيَ الإيمان. فكما نستبشر برمضان كلّ عام، نستبشر بأن يكون جامع الجزائر شاهدًا على نهضة دينية وعلمية، تحيي في النفوس روح التقوى، وتعيد إلى الأمّة الجزائرية مجدَها الأصيل؛ بمرجعيّتها الدينية الوطنية الجامعة. وإنّ من شُكر النّعم أن نعترف بالفضل لأهله، فقد شرّف الله رجالا، قيّضهم لهذا المشروع العظيم، رجالا صدقوا الوعد، وأوفوا بالعهد، فعملوا بإخلاص، وأفنوا الجهد، حتى ارتفع الصّرح شامخًا، شاهدًا على عزّة الإسلام، ورسوخ الجزائر في هوّيتها وقيمها الحضاريّة. فجزى الله خيرًا كلّ من أسهم في بنائه، من أهل الفكر والتخطيط، ومن سهروا على تصميمه وإنشائه، ومن وقفوا على تفاصيل إنجازه، حتى صار اليوم منارةَ علم وإيمان، ومفخرةً للوطن والأمّة جمعاء. إنّ أمّتنا الإسلامية مازالت ترزح تحت جراحها، وتئنّ تحت وطأة المِحن والابتلاءات: فكم من بلاد يعصف بها الفقر، ويهدّدها النّزاع والخصومات؛ وتُحاك ضدّها المؤامرات. وكم من شعوب حُرمت الأمن والأمان، ويضيّق عليها في دينها ومعاشها؛ والله المستعان. لكنّ القلبَ يعتصر ألماً، والنفسَ تغلي غيرةً، لما يجري في أرض فلسطين، التي ما زال أبناؤها يقاومون الاحتلال الغاشم بصدور عارية، وثبات لا يلين. المسجد الأقصى يئنّ تحت وطأة العدوان والاحتلال، وأبناء غزة يعانون ويلات الحصار، بعد عدوان همجيّ آثم؛ وأحرار الضفة يتعرّضون للبطش والتنكيل، في كلّ وقت وحين. ومع ذلك لم تنكسر إرادتُهم، ولم تضعف عزيمتهم، لأنّهم يعلمون أنّ الله معهم، وأن النصر صبرُ ساعة. والله مع الصّابرين. فيا عباد الله؛ إنّ الواجبَ علينا، نحن المسلمين، في هذا الشهر المبارك، شهرِ الجهاد بالصيام، والجهاد بالدعاء، والجهاد بالمال،  أن نجعل لإخواننا في فلسطين نصيباً من نُصرتنا بقلوبنا وأفعالنا، وبألسنتنا ودعائنا. فلا تخذلوهم، فإنّ الله يحبّ المحسنين ولا يحبّ الخاذلين. لا تنسوْهم من دعواتكم في السّحر، وعند الإفطار، وفي جوف اللّيل؛ فدعوة الصائم لا تُردّ، ولعلّها تكون باب الفرج عليهم، وإنّ النّصر آتٍ بإذن الله. “وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ”.

 

الجزء الثالث والأخير من خطبة الجمعة من  جامع الجزائر