أنوار من جامع الجزائر: في استقبال عام جديد … وقفة للمحاسبة – الجزء الأول –

أنوار من جامع الجزائر: في استقبال عام جديد … وقفة للمحاسبة – الجزء الأول –

ونحنُ نودِّعُ عَامًا، مَرَّ بنا على عَجَلٍ، ونستقبِلُ عَامًا جَديدًا، جَدِيرٌ بنا أن نَقِفَ معَ أنفسِنَا وَقْفَةَ مُحاسَبَةٍ ومُسَاءَلَةٍ عنْ عَامٍ مَضَى، عن سَاعَاتِهِ وأَيَّامِهِ، وشُهُورِهِ كيفَ انْقَضَتْ؟ وماذا أَنجَزْنَا فيها؟ وما هي حصيلتُنَا من نَجَاحَاتٍ أو إخْفَاقَاتٍ؟ على ضَوْءِ هذه المَسْاءَلَةِ ونَتَائجِهَا يكونُ استقبَالُ العَامِ الجديدِ، وتلكَ هي العبْرَةُ والادِّكَارُ الذي طَالَبَنَا به القرآنُ الكريمُ، فقد روى التَّرْمِذيُّ وحَسَّنَهُ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ “الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ المَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الْأَمَانِيَّ”. والمُوَفَّقُ منَ النَّاسِ مَنْ عَمِلَ ذلكَ ليكونَ عَامُهُ القَابِلُ خَيْرًا منَ المَاضِي، ولا يَحْصُلُ ذلك إلّا بمعرفَةِ مَصْدَرِ أَخْطَائِهِ وأَسْبَابِ إِخْفَاقَاتِهِ فيُسَارِعَ إلى إصلاحِهَا وتَلَافِي أسْبابِهَا، وهذا بَابُهُ التَّوْبَةُ وإصلَاحُ النَّفْسِ، ثمّ بمعرفَةِ عَوَاملِ قُوَّتِهِ ونَجَاحَاتِهِ فيعزِّزَهَا ويطوِّرَهَا، وبَابُهُ اغتنَامُ القُوَّةِ والمَوَاهِبِ قَبْلَ زَوَالِهَا؛ وفي الحديثِ عند الحَاكِمِ في المُسْتَدَرَكِ والبَيْهَقِيِّ في شُعَبِ الإِيمَانِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: “اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ”؛ وهذا مَنْهَجٌ إسلَاميٌّ قويمٌ أرْشدَنَا إليهِ الشَّرْعُ الحكيمُ.

أيُّها الإخوةُ الأفاضِلُ: السُّؤَالُ الذي نَوَدُّ مدَارَسَتَهُ في هذه الجمعَةِ الأخيرَةِ مِنْ هذا العَامِ، هو: كيفَ نستقبِلُ العَامَ الجَدِيدَ؟. إنّ إطلالَةَ العَامِ الجَدِيدِ، كَإشْرَاقَةِ يَوْمٍ جَمِيلٍ، لا بُدَّ أن تكونَ عَامِرَةً بالتَّفَاؤُلِ والأَمَلِ في اللّهِ، وأنْ يكُونَ العَامُ الجَدِيدُ حَافِلًا بالمُبَشِّرَاتِ والمَسَرَّاتِ، رَغْمَ ما يُحِيطُ بنا مِنْ صِرَاعَاتٍ وحُرُوبٍ، وأَزَمَاتٍ وخُطُوبٍ، ورغم ما يختَلِجُ في الصُّدُورِ من هُمُومٍ وأحزَانٍ هي جُزْءٌ منْ طبيعَةِ الحَيَاةِ التي خَلَقَنَا اللّهُ لنعيشَهَا، فلا بُدَّ حينَئذٍ مِنْ خَوْضِ غِمَارِ هذه التَّجْرِبَةِ التي وَضَعَنَا اللّهَ تعالى في خِضَمِّهَا متسلِّحِينَ بالإيمَانِ والأَمَلِ فيه والعَمَلِ لمَرْضَاتهِ، نَخَوْضُ غِمَارَ التَّجْرِبَةِ امتثَالًا للأمْرِ النّبويِّ المُطَاعِ كما جاء في الحديثِ في الصّحيحينِ عن عليِّ ابنِ أبي طالبٍ رصي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: “اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ”. فَمَهْمَا أَظْلَمَتِ الحَيَاةُ في وَجْهِكَ أَيُّهَا الإنْسَانُ الكَادِحُ، فإنَّ لَكَ رَبًّا كَرِيمًا رَحِيمًا يَجبُرُ خَوَاطِرَ عبَادِهِ المكسورِينَ.

 

الجزء الأول من خطبة الجمعة من  جامع الجزائر