أنوار من جامع الجزائر.. فضائل الحج  -الجزء الأول-

أنوار من جامع الجزائر.. فضائل الحج  -الجزء الأول-

إن من أحب ما يتقرب به العبد إلى مولاه في هذه الأيام؛ أن ينتظم في عِقد من يرحل لأداء فريضة الحج إن استطاع إلى ذلك سبيلا، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: سُئل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : أيُّ العمل أفضل؟ قال: “إيمانٌ بالله ورسوله” قيل: ثمَّ ماذا؟ قال: “الجهاد في سبيل الله” قيل: ثم ماذا؟ قال: “حجٌّ مَبرور”. وقد رتّب الشرع الحنيف على هذا الركن الركين أجرا عظيما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “العُمرة إلى العمرة كفَّارة لِما بَينهما، والحجُّ المبرور ليس له جزاء إلَّا الجنة”. وهو سبب لتكفير السيئات ومحو الذنوب ومغفرة الخطيئات، فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة قال: سمعتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: “مَن حجَّ لله، فلَم يرفث ولم يَفسق، رجع كيَومَ ولدَتْه أمُّه”. ولا عجب أيها المؤمنون، فالحجاج ضيوف الرحمن، وهو الكريم سبحانه، يُفيض رحمته على من أجاب دعوته،ويكرم من زار بيته، فعن ابن عمر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: “الغازِي في سبيل الله، والحاجُّ، والمعتمِر: وَفدُ الله؛ دعاهم فأجابوه، وسألُوه فأعطاهم” وفي رواية: “الحُجَّاج والعمَّار وَفد الله؛ إن دعَوه أجابهم، وإن استغفَروه غفرَ لهم”. وإن المرء حين يرى الحجاج يسيرون بالملايين إلى صعيد عرفات، ثم مزدلفة؛ وصولا إلى منى لرمي الجمرات، أو يرى الطواف حول البيت الحرام في جميع ساعات الليل والنهار؛ ويبصرهم وهم يُلبّون ويتضرعون ويبكون ويدْعون، قد اختلفت ألسنتهم، وتوحدت قلوبهم، فإن هذا المشهد المهيب يزيد من تعظيم الله تعالى في القلوب، والله تعالى يقول “ذَٰلِكَۖ وَمَنْ يُّعَظِّمْ شَعَٰٓائِر اَ۬للَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَي اَ۬لْقُلُوب”. والحج سبب لتقوية روابط الأخوة والوحدة بين المسلمين، فاجتماع الحجاج الميامين على اختلاف ألسِنَتهم وألوانِهم وأوطانهم، يقفون في صعيدٍ واحد، ويتوجهون لبيت واحد،ويَدْعون ربًّا واحدًا، ويلبُّون بشعار واحد، وهم يلبسون الإزار والرداء الأبيض، قد تجردوا لطاعة الله ورضوانه؛ كما تجردوا من ثيابهم وما يملكون، يتوجَّهون لبيتٍ واحد، توحَّدت بفضل الله أهدافهم، واتفقت غاياتهم، وتوثقت في أقدس مكان رابطتهم.

الجزء الأول من خطبة للشيخ حسين وعليلي