أنوار من جامع الجزائر..  سعو الناس بأخلاقكم – الجزء الأول –

أنوار من جامع الجزائر..  سعو الناس بأخلاقكم – الجزء الأول –

إنّ من أَعْظَمِ ما جاءت به رِسَالَةُ الإِسْلَامِ الغَرَّاءُ هو تزكِيَةُ نُفُوسِ أَتْبَاعِ النبِّيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وإصلَاحُ بَاطنِهِمْ وظَاهِرِهِمْ، وقد قال اللّهُ تعالى: “لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ” آل عمران: 164. وَمَن تَأَمَّلَ في القرآنِ الكريمِ وفي سُنَّةِ سيِّدِ المرسلين وسيرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العَطرَةِ؛ فإنّه سيدرِكُ أنّ هذا الدِّينَ دِينُ قِيَمٍ سَامِيَةٍ، وأخلَاقٍ عَالِيَةٍ، كما سَيَلمَسُ عُلُوَّ أخلَاقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحُسْنَ تَعَامُلِهِ مع النَّاسِ كُلِّهِم، وحُسنَ تَأديبِهِ لأصحَابِهِ ولأُمَّتِهِ، فهو بحَقّ جَاءَ مُتَمِّماً لكُلِّ خُلُقٍ فَاضِلٍ حَسَنٍ، فقد روى أحمد والبخاري في الأدب والبيهقي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ”. ولمّا سُئِلَتْ أُمُّ المؤمنين عائشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عن خُلُقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قالت: “كَانَ خُلُقُهُ القُرآنُ”، وحين هَالَهُ ما رَآهُ في غَارِ حِرَاءَ أَوَّلَ نُزُولِ الوَحْيِ وفَزِعَ فَزَعًا شَدِيدًا؛ هَرَعَ إلى أُمِّ المؤمنين خديجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَقَالَ: “قَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي”، لم تَجِدْ ما تواسِيِه بِهِ أفْضَلَ من تذكِيرِهِ ببعضِ صِفَاتِهِ وأخلَاقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ لَه: “كَلَّا، أَبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا؛ إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوَائِبِ الحَقِّ”. إنّ هذه الصّفَاتِ العظيمَةَ والخِلَالَ الكرِيمَةَ كانت جزءًا يَسِيرًا من أخلَاقِ نَبِيِّنَا وقدوتِنَا محمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولَعَلَّ هذا كان من أَعظَمِ الأسرَارِ التي جَذَبَتْ القُلُوبَ والأَرْوَاحَ والعُقُولَ إليه، حتى خَاطَبَهُ رَبُّهُ بقولِهِ: “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ” آل عمران: 159. ولأجْلِ ذلك كانت أَكْثَرُ وَصَايَاهُ لأصْحَابِهِ ولأمَّتِهِ؛ التَحَلِّي بكرِيمِ الأخْلَاقِ، وجَميل الطبَاع، فعن أبي هريرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ منْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ”، وحين عَرَّفَ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسلِمَ قال: “المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ”، ولَمَّا بَيَّنَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حقيقَةَ كَمَالِ الإيمَانِ ليقتَدِيَ النّاسُ بأصحابِهِا قال: “أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا”. وقد ارتَقَى أصحَابُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَدَارِجَ العُلَا ومَسَالِكَ الهُدَى، وأَيْقَنُوا أنّ فَضَائِلَ الأخَلَاقِ كانت الفارِقَ بين الإسلَامِ وبين ما كانوا فيه من ضَلَالٍ مُبِينٍ.

 

الجزء الأول من خطبة الجمعة من  جامع الجزائر