كما علّق الله الهدايةَ على المجاهدةِ، كذلك علّق المعيّةَ على الإحسانِ، فختم الآيَةَ الكريمَةَ بقولِهِ: “وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ” العنكبوت: 69، والمحسنون الذين نالوا شَرَفَ معيَّةِ اللهِ لهم بالتّأييدِ والعونِ والنّصرِ والهدايةِ، هم المتّقنون لأعمالِهِمْ، المخلصون فيها لربِّهِمْ، وهؤلاء هم الذين يزِيدُهُمُ اللهُ توفيقًا وتسدِيدًا جزاءً لإحسانِهِمْ، حيث قال سبحانه: “وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُم هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ” محمد: 17. ولَمَّا كانت العبرةُ في كَلَامِ اللهِ عزّ وجلّ بعمومِ اللّفظِ لا بخصوصِ السّببِ، كما يقول علماؤُنَا، فإنّ حُكْمَ هذه الآيَةِ ينطبِق على ثورةِ الجزائر المباركَةِ، وقد حلّتْ بنا ذكرى يومِ المجاهِدِ، نتذكّرُ فيها ما قدّمه شهداؤنا الأبرارُ ومجاهدونا البواسِلُ من تضحيَاتٍ جسَامٍ، وَكيف حَمَوْا الوطنَ بالـمُهَجِ والأرواحِ في سبيلِ إعلاءِ رايتِهِ والحفاظِ على مَنَعَتِهِ وقوّتِهِ، نتذكَّرُ أولائك الرّجال الذين باعوا أنفُسَهُم للهِ، وجاهدوا في سبيله “رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا” الأحزاب: 23. ولا يسعنا ونحن نحيي الذّكرى المزدوجَةَ لهجومَاتِ الشّمالِ القسنطينيِّ ومؤتَمَرِ الصّومامِ، إلّا أن نترحَّمَ على أرواح شهدائِنَا الزّكيّةِ ونتوجَّهَ بالتّحيَّةِ والتّقديرِ إلى إخوانِهِم المجاهدين أطالَ اللهُ في أعمارِهِمْ، هؤلاء الذين اقتفى أَثَرَهُمْ وسار على نهجِهِمْ إخوانُنَا المرابطون في بيتِ المقدسِ وفي أكنافِ بيتِ المقدسِ وفي غزّةَ العزّةِ، أولئك الأبطالُ الأشاوسُ الذين تحرّروا من حظوظِ أنفسهم وخالفوا أهواءَهُمْ وشهواتِهِمْ، فقدّموا أموالَهُمْ وأولادَهمْ وأنفسَهمْ فداءًا للدّينِ والعقيدةِ والوطنِ، أولئك الذين تُبشّرُهُمْ هذه الآيةُ بأنّ الله سيهدِيهِم سُبُلَهُ وأنّهم في معيَّتِهِ، ومن كان اللهُ معه فمن عليه، “وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ” العنكبوت: 69.
الجزء الثاني والأخير من خطبة الشيخ عامر بوعمرة من جامع الجزائر