فأما طبيعتها فتتمثل في جمال المعاملة ، وحسن العشرة .. وأما معالمها فتتمثل في: إظهارِ المودة ، والاعترافِ بالحب لأزواجه، والتلطفِ في معاملتهن، فقد كان عليه الصلاة والسلام يحب خديجة رضي الله عنها ويظهر ذلك حتى بعد وفاتها فعن عائشة رضي الله عنها قالت: “ما غِرْت على نساء النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلاَّ على خديجة، وإني لم أدركْها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذَبَحَ الشاة يقول: أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة”، وكان صلى الله عليه وسلم يقول عنها: “إنها كانتْ وكانتْ، وكان لي منها ولد” رواه البخاري. وأما تلطّفه في معاملتهن فعن أم المؤمنين صفية بنت حيىّ رضي الله عنها، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حج بنسائه، حتى إذا كان في بعض الطريق، نزل رجل فساق بهنّ فأسرع، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: “كذاك سوقك بالقوارير”النساء”، فبينما هم يسيرون، برك بصفية بنتِ حييٍ جملُها ـوكانت من أحسنهن مركباًـ فبكت، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أُخْبِرَ بذلك فجعل يمسح دُمُوعَهَا بيده” رواه النسائي. ومنها: تطييب خواطرهن ومداعبتهن، فعن عائشة رضي الله عنها قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:” إنِّي لَأَعْلَمُ إذا كُنْتِ عَنِّي راضِيَةً، وإذا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى، قالَتْ: فَقُلتُ: مِن أيْنَ تَعْرِفُ ذلكَ؟ فقالَ: أمَّا إذا كُنْتِ عَنِّي راضِيَةً، فإنَّكِ تَقُولِينَ: لا ورَبِّ مُحَمَّدٍ، وإذا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى، قُلْتِ: لا ورَبِّ إبْراهِيمَ، قالَتْ: قُلتُ: أجَلْ، واللَّهِ -يا رَسولَ اللَّهِ- ما أهْجُرُ إلَّا اسْمَكَ” رواه البخاري. وروى أنس بن مالك رضي الله عنه ” بلَغ صفيَّةَ أنَّ حَفصةَ قالت لها ابنةُ يهوديٍّ فدخَل عليها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهي تبكي فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ” وما يُبكيكِ ؟ ” قالت : قالت لي حَفصةُ : إنِّي بنتُ يهوديٍّ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ” إنَّكِ لَابنة نَبيٍّ وإنَّ عمَّكِ لَنَبيٌّ وإنَّكِ لَتحتَ نَبيٍّ فبِمَ تفخَرُ عليكِ” رواه ابن حبان، ومنها: استشارتهن والأخذ بمشورتهن. فقد استشار خديجة رضي الله عنها حين لقيه نزل عليه أوّل الوحي وقد أصابه الروع من هول المشهد فكان مشورتها بردا وسلاما على قلبه؛ ففي الصحيحين عند بدء الوحي ولقاء جبريل عليه السلام رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجف بوادره ، حتى دخل على خديجة فقال: “زملوني زملوني”، فزملوه حتى ذهب عنه الروع. ثم قال لخديجة: أي خديجة مالي، وأخبرها الخبر، قال: “لقد خشيت على نفسي”. قالت له خديجة: كلا، أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً، والله إنّك لتصلُ الرحم ، وتصدق الحديثَ، وتحمل الكلّ ، وتكسر المعدومَ ، وتُقري الضيفَ ، وتُعين على نوائب الحقّ .
الجزء الثاني من خطبة الجمعة من جامع الجزائر