أنوار من جامع الجزائر.. خطبة العيد ( الجزء السادس )

أنوار من جامع الجزائر.. خطبة العيد ( الجزء السادس )

إنّ من مظاهر الإحسان، بعد رمضان، الإحسان في العيد. ومن أراد أن ينظر إلى أخلاق الأمّة فليراقبها في أعيادها، حيث تنطلق السجايا على فطرتها، وتظهر العادات على حقيقتها. والمجتمع السعيد الصالح من تسمو أخلاقه في العيد؛ وتبرز فيه مشاعر الإخاء؛ فيبدو المجتمع في العيد متماسكا متعاونا متراحما؛ تخفق فيه القلوب بالحب والصفاء؛ ويكون العيد مناسبة لتوثيق أواصر الرحم في الأقرباء، وتعزيز روابط المحبّة مع الإخوان والأصدقاء؛ حيث تعلو البسمة الشفاه، وتغمر الفرحة النفوس؛ فتتقارب القلوب على التسامح والمودّة، وتألف بروح الأخوّة، أخوّة الإسلام التي تقتضي أن يغفر المسلم لأخيه، ويصفح عمّا بدر منه من زلاّت. ألا تحبون أن يغفر الله لكم. فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا؛ إلاّ رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا”. إنّه لحقّ على كلّ ذي نعمة ممّن صام وقام أن يتذكّر إخوانه المسلمين المستضعفين. فكم هو جميل أن تظهر أعياد الأمّة بمظهر الواعي لأحوال الأمّة وقضاياها الكبرى. والفرح بالعيد لا ينبغي أن يحول دون الشعور بالمصائب والمآسي الّتي تعانيها كثير من مجتمعاتها. فمن كان آمنا في سربه، قد طاب عيشه واجتمع شمله، حقّ عليه أن يحمد الله ويشكره، ويعرف لربّه فضله ونعمته. عليه أن يستشعر هموم إخوانه المسلمين، ويتأمل أحوالهم، وينظر في سوء أوضاعهم. فكم فيهم من فقراء يعيشون تحت وطأة البؤس والشقاء، وهموم الفاقة والحاجة، وقساوة التهجير والتشريد. فيهم ذوو الحاجات لا مورد لهم. فيهم أرامل لا عائل لهنّ، وأيتام لا آباء لهم، وفيهم مهجّرون ومشرّدون لا وطن لهم. إنهم إخوان لنا في الدين يعيشون أوضاعا قاسية، ويذوقون مرارات في أراضٍ منكوبة بشهدائها وأسراها، وأراملها ويتاماها، ثقلت عليهم الحياة، في عالم اختلّت فيه الموازين، وانحسرت القيم واضطربت المعايير. عالم يموج بمبادئ وشعارات، ونظم وقوانين زعموا في بلدان الغرب أنّهم يحفظون بها حقوق الإنسان، ويقيمون العدل بين النّاس! والحال أنّ واقع العالم مظالم ومغارم، ومحن وشقاء، وحروب وبأساء. ألا ساء ما يحكمون!.

 

الجزء السادس – من خطبة العيد للشيخ محمد المأمون القاسمي-