يأتي العيد اليوم، بعد شهر الصيام والقيام، وبعد أن امتدّت الأيدي المؤمنة الطاهرة بنفحة الزكاة الخيّرة الطاهرة، لتكون تعبيرا عن التضامن والتكافل الاجتماعي، الذي أراده الله لأمّة، هي خير أمّة أخرجت للناس، كما جاء في كلام ربّنا، في وحي يتلى وخبر لا يتخلّف. وهي خيرية محفوظة للأمّة، ما استقامت على الطريقة، واستكملت شروط المهمّة. إنّها خيرية ووسطية في أمّة مقصدها وغايتها إخراج الناس من الظلمات إلى النور، ومن عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة. وخيرية الأمّة ووسطيتها تتأكّد في دينها الكامل الخاتم؛ فليس لها رصيد غيره؛ وليس لها قيام بدونه. وفي الإسلام تلازم وثيق بين العقائد والعبادات، وبين السلوك والمعاملات، وهو يتناول حياة الفرد والأسرة والمجتمع، ويحيط بها من جميع جوانبها “قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ” الأنعام162. إنّه تلازم يوجب على المسلمين أن يأخذوا بالدّين كلّه. فهو كلّ لا يتجزّأ “أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ” البقرة85. إنّ الأمّة لم تؤت إلاّ من أناس ظنّوا أنّ الدين مقصور على علاقة العبد بربّه؛ ولا صلة له بالمجتمع ولا بالحياة.. ومن ظنّ أنّ غير الإسلام أقرب إلى الحقّ، أو أدنى إلى العدل، أو أحفظ للمصلحة، فقد ضلّ سواء السبيل. إنّ ما يعوق الأمّة المحمّدية، وما يحيق بها من بلاء: مردّه إلى أنّها، في كثير من مواطنها وأوضاعها، اختارت غير ما اختار الله؛ واصطبغت بغير صبغة الله؛ ودانت بمذاهب على غير نهج الله، فاختلطت عليها السبل، وتفرّقت شيعا وأحزابا. وما أحوج الأمّة، في أيام محنتها، وأوقات شدائدها، إلى وقفات عند مناسباتها، وفي أيام أعيادها؛ تستلهم الدروس والعبر؛ ويتجدّد فيها العزم على المجاهدة الحقّة، بالتصدّي لكلّ انحراف وضلال، ومحاربة كلّ بغي وطغيان وفساد.
الجزء الثالث – من خطبة العيد للشيخ محمد المأمون القاسمي-