أنوار من جامع الجزائر.. خطبة العيد ( الجزء السابع والأخير )

أنوار من جامع الجزائر.. خطبة العيد ( الجزء السابع والأخير )

إنّ أكبر شاهد على هذه الأوضاع المختلّة ما يعيشه أهلنا في فلسطين، في غزّة الصمود والرباط، منذ أكثر من نصف عام، حيث يشاهد العالم على المباشر مناظر تتفطّر منها القلوب، وتدمع العيون، ويندى لها الجبين، يرى صور الشهداء والجرحى، صور الثكالى واليتامى. يرى آلاف البيوت وقد سُويت بالأرض على أصحابها، والمستشفيات والمساجد، وقد هُدمت على من فيها. يرى الدمار والخراب، يرى ألوانا فظيعة من الجرائم الإنسانية، لم يُعرف لها مثيل في تاريخ البشرية. فكم من يتيم في أرض فلسطين ينشد عطف الأبوّة الحانية؛ ويتلمّس حنان الأمّ الرؤوم. كم من أرملة توالت عليها المحن، فقدت العشير، وتذكّرت بالعيد عزاً قد مضى تحت كنف زوج عطوف. كلّ أولئك وأمثالهم قد استبدلوا بعد العزّ ذلّا، وبعد الرخاء والهناء فاقة وفقرا. وعلى امتداد الحرب المدمّرة، رأى العالم صمود شعب، أعطى أروع الأمثلة في الصبر والتضحية والاستبسال، والتمسّك بالحقوق والدفاع عن الأرض والمقدّسات. إنّنا لفخورون بهذا الشعب الأبيّ الّذي يخوض معارك الكرامة، ويسطّر ملحمة من أعظم الملاحم في التاريخ. ونحن فخورون بمواقف بلادنا المبدئية التاريخية، نصرة للقضية الفلسطينية، وسعيها الحثيث للمّ الشمل وتوحيد الصفّ الفلسطيني، وبذلها غاية الجهد في الهيئة الأممية، من أجل وقف العدوان، ووضع حدّ لحرب الإبادة الجماعية. نحن المسلمين نملك سهام الليل، نملك الدّعاء لربّ الأرض والسماء، نسأل الله تعالى، وهو القاهر فوق عباده، أن يكون لأشقّائنا في فلسطين عونا وظهيرا، ويكون لهم وليّا ونصيرا. ندعوه، جلّت قدرته، أن يربط على قلوبهم، ويثبّت أقدامهم، وينصرهم على عدوّه وعدوّهم، كما نصر الشعب الجزائري، الّذي استمرّ كفاحه قرنا وثلث قرن، وكلّل جهاده بالنصر المبين. إنّه وليّ ذلك والقادر عليه. يمهل الظالم ولا يهمله، ولا يردّ بأسه عن القوم المجرمين. فاتقوا الله وراقبوه، واستحضروا عظمة هذا العيد، وتذكّروا بمروره عليكم انقضاء أعماركم، وختم أعمالكم، وانتهاء آثاركم، فتزوّدوا بالتقوى للسفر البعيد؛ وتذكّروا باجتماعكم هذا الاجتماع الأكبر على أرض المحشر. فاغتنموا العيد لتظهروا بمظهر أهل الإيمان والله نسأل أن يجعلنا وإياكم من أهل الفضل والإحسان.

الجزء السابع والأخير – من خطبة العيد للشيخ محمد المأمون القاسمي-