إنّ مجتمعاتنا اليوم تعيش أزمات جمّة، لأنّها تركت إتباع الحقّ، وتحقيق العدل. وهذه سنة الله في خلقه. لأنّ من ترك الحقّ ابتلي بالباطل. والله تعالى يقول:”فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ”يونس.32. إنّ الدعوة إلى دين الله، وردّ الأمّة إلى جادة الحقّ مسؤولية كبرى يتحمّلها العلماء والدعاة والمربون، وأولياء الأمور. فليكن كتاب الله خير مابه نعتصم، وخير ما إليه نعود. كتاب الله الّذي نستمدّ منه، نحن المسلمين، مراجعنا في جميع مجالات الحياة، فنستلهم منه حلول مشكلاتنا، ونلتزم نهجه عندما تختلط السبل، وتُفتقد الرؤية الصحيحة. إنّ أمّتنا اليوم أحوج ما تكون إلى الممارسة الواعية لمنهج التلقّي من كتاب الله، وسنّة رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وحسن تمثّل المنهاج القرآني في الإصلاح التربوي والاجتماعي، وفي مشروع الإقلاع الحضاري.
إنّ أمّة الإسلام تتبوّأ مكانتها المستحقّة في الحياة، حين تعتني ببناء الفرد المسلم، الّذي يحسن فهم دينه ويحسن العمل به. بناء الإنسان السويّ المتوازن، الّذي يؤمن بانتمائه الإسلامي الواحد، ينبذ الغلوّ والتطرّف، ويكره العصبية، ويرفض كلّ دعوة للتجزئة والطائفية. الإنسان الذي يعكس في أخلاقه ورؤيته في الحياة هدي القرآن، ويتمثّله في سلوكه وعمله؛ فيكون احترام الوقت وإتقان العمل من عاداته، وجزءا لا يتجزّأ من يومياته. ويكون القانون والنظام عنده بمثابة عقد اجتماعيّ، يحرص عليه كما يحرص على أبنائه؛ يقدّم مصلحة الأمّة، وتكون لديه فوق أيّ اعتبار. ولا يتسنّى ذلك إلّا حين تتمسّك الأمّة بمبادئها وثوابتها وتأخذ بأسباب التغيير، وتعتني بالتربية قبل التعليم، وتلتمس العلم النافع، وتجتهد في العمل الصالح، وتوجّه أكبر عنايتها لإقامة ميزان الحقّ الّذي لا يشوبه باطل، ميزان الهدى الّذي لا يغشّيه ضلال. وإنّما يكون لها ذلك، بحفظ حقوق شعوبها، والدفاع عن قضاياها المصيرية، وتعزيز عوامل الوحدة، ونبذ الفرقة والنزاع، والعمل لتثبيت أركان السلم وتحقيق الازدهار. فهل من عودة إلى منهج الله؛ يا عباد الله. وهل من أوبة إلى صراطه المستقيم! ألا فليحاسب كلّ منّا نفسه عمّا قدّم، وعن مقدار وفائه لمقتضى إيمانه.
الجزء الخامس – من خطبة العيد للشيخ محمد المأمون القاسمي-