أنوار من جامع الجزائر.. خطبة العيد (الجزء الرابع)

أنوار من جامع الجزائر.. خطبة العيد (الجزء الرابع)

إنّ على المسلمين اليوم، وبين أيديهم كتاب ربّهم وسنّة نبيّهم، صلّى الله عليه وسلم، أن يراجعوا أوضاعهم، وينظروا في سنن الله وفي أحوال من كان قبلهم، وأحوال الناس من حولهم. إنّ ما حصل في الماضي، ويتكرّر اليوم في العالم من أزمات وآفات سببه اختلال الميزان، والتعاون على الإثم والعدوان. سببه مخالفة شرع الله والإعراض عن ذكر الله. وقد جرّب المسلمون، في كثير من الأقطار، مناهج ومذاهب استوردوها؛ فلم يصحّ لهم منها شيء؛ ولم تغنهم، لا قليلا ولا فتيلا؛ بل كانت كلها طريقا إلى التمزّق والهوان والدمار. وحريّ بالأمّة، وهي تعيش خضمّ الأحداث ومتغيّرات الأيام، أن تتحسّس موقعها، وتتلمس دربها، وتختار طريقها؛ وأن تبدأ خطواتها الأولى، بالعودة إلى الله، والتمسّك بدينه الحنيف. فلا منقذ لها غيره، ولا عاصم لها سواه. وإذا رامت إصلاحا ينبغي أن تتصالح أوّلا مع الذات، فتبدأ من الداخل، بالعمل لإيقاف التمزيق الفكري، والقضاء على الانهزام النفسي، ومقاومة الاستلاب والاغتراب الثقافي. ينبغي للإصلاحات في بلاد المسلمين أن تكون غايتها الكبرى أن تزول مظالم، وتعتدل موازين، وأن يحيا معدمون، ويرتدع مفسدون. وأن يتعاون أقوياء وضعفاء، ويتشارك عباد الله في خيرات الله، مع تقوية حوافز الكسب الذاتية، وتزكية الصبغة الجماعية، في ظلال الإخاء والمحبّة والعدالة الاجتماعية. ولن يحدث ذلك إلّا بالاستمساك بكتاب الله وسنّة رسول الله، عليه الصلاة والسلام، القائل: “تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي: كتاب الله وسنّتي”.
إنّ على الذين يؤمنون بالإسلام وعدالته اللّجوء إلى حصنه المنيع، والاعتصام بحبله المتين؛ والعمل لتثبيت أركان دولة العدل والحقّ، العدل في القضاء، والعدل الاجتماعيّ، الّذي ينال في ظلاله كلّ فرد حقّه، ويجد فرصته وحظّه؛ ويكون فيه القويّ الباغي ضعيفا حتى يؤخذ منه الحقّ؛ والضعيف المظلوم قويّا حتّى يؤخذ له الحقّ.

الجزء الرابع – من خطبة العيد للشيخ محمد المأمون القاسمي-