أنوار من جامع الجزائر.. خطبة العيد ( الجزء الثاني )

أنوار من جامع الجزائر.. خطبة العيد ( الجزء الثاني )

إنّ هذا اليوم يوم الجائزة. والسعيد فيه من فاز بقبول صيامه وقيامه، ورجع من مصلاه بجائزة ربّه وإكرامه. إنّه يوم عيد مشهود، يفرح فيه المؤمنون، ويتبادلون فيه التهاني ، وتعمّ الفرحة البيوت، ويعطى الأطفال فرصتهم كي يظهروا فرحهم، إيناسا لهم بالجوّ الإيماني في يوم العيد. لقد سميّ هذا اليوم عيدا لأنّه يعود ويتكرّر بالفرح والسرور بما يسّر الله قبله من عبادة الصيام؛ ولأنّ الله يعود فيه على عباده بالإحسان، والعتق من النيران. يعود في كلّ عام، والثقة بالعودة المتكرّرة تجدّد في الإنسان الأمل، وتوحي إليه بتكرار المعاودة لتحقيق ما يؤمن به من مبادئ، وبلوغ ما ينشده من أهداف في الحياة. فكلّما عاود الإنسان عملا ونجح فيه، جاء إليه عيد يستريح عنده ويسعد فيه؛ ثم يعاود القيام بواجبه، ويعود إلى المسعى في مسالك الحياة. وهكذا دواليك.. عيد يقبل بالفرحة والسرور، بعد طاعة واجتهاد؛ ثم عودة من الإنسان إلى عمل موفّق يعقبه عيد بهيج. وهذه المعاودة في حياة الفرد والجماعة هي التي تكوّن العادة. والعادة تقارب الطبيعة؛ كما يقول أحدهم في معناه: تعوّد صالح الأعمال إنّي رأيت المرء يألف ما استعاد
إنّ هذا ما نريد لأمّتنا أن تكون عليه في أعيادها؛ تفرح فيها، وتسعد بعودتها؛ ولكنّها بعدها تعود إلى السعي وحسن العمل، مع عمق الرجاء وقوّة الأمل. نريد لأمّتنا أن تكون عاملة مجتهدة منتجة؛ يتعاون أبناؤها على البرّ والتقوى، ولا يتعاونون على الإثم والعدوان. يتساوون في مجال الحقوق والواجبات؛ كلّ يبذل طاقته؛ وكلّ يأخذ حقّه وحاجته؛ إنّ عيدنا اليوم يأتي، وقد حقّقت الجزائر، بفضل الله، إنجازا حضاريّا عظيما، بعمارتها جامع الجزائر، الصرح الدينيّ الشامخ، الّذي تزدان به الحواضر العلمية في بلادنا وفي أقطار العالم، ليكون، بحول الله، الجامع لأبناء الجزائر، والحصن المنيع لمرجعية دينية أصيلة، تتميّز بالشمولية والوسطية والاعتدال، وكانت لشعبنا، عبر العصور والأجيال، الحصانة الذاتية من الغلوّ في الدين، ومن كلّ زيغ أو ضلال. وقد منّ الله علينا، بعد افتتاح “الجامع” أن صلّينا فيه أوّل جمعة، وأقمنا صلاة التراويح، في الشهر الكريم؛ ونشهد فيه اليوم، بفضل الله، أوّل صلاة للعيد.

الجزء الثاني – من خطبة العيد للشيخ محمد المأمون القاسمي-