أنوار من جامع الجزائر.. توديع السنة الهجرية – الجزء الأول-

أنوار من جامع الجزائر.. توديع السنة الهجرية – الجزء الأول-

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: هَا نَحْنُ نُوَدِّعُ عَامًا هجريا يَمْضِيبِمَا فِيهِ مِنْ حُلْوٍ وَمُرٍّ، وَمِنْ عُسْرٍ وَيُسْرٍ، وَمِنْ شِدَّةٍ وَرَخَاءٍ، وَسَقَمٍ وَعَافِيَةٍ. فها هو العام الهجري يذوي وتتقاصر أيامه، ليرتحل عبر الزمن، يحمل في طياته الأحداث والأعمال التي سجّلتها الأيام على الفرد وعلى الأمة، وفي ذلك عبرة لمن يعتبر، وقد لفتنا القرآن الكريم إلى الاعتبار من اختلاف الليل والنهار، وتداول الايام والسنين والأعوام. قال تعالى “اِنَّ فِے خَلْقِ اِ۬لسَّمَٰوَٰتِ والأرض وَاخْتِلَٰفِ اِ۬ليْلِ وَالنَّه۪ارِلَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِےاِ۬لَالْبَٰبِ ١٩٠” سورة آل عمران:190. وكَانَ عليه الصلاة والسلام يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ لَكُمْ عِلْمًا فَانْتَهُوا إِلَى عِلْمِكُمْ، وَإِنَّ لَكُمْ نِهَايَةً فَانْتَهُوا إِلَى نِهَايَتِكُمْ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ بَيْنَ مَخَافَتَيْنِ بَيْنَ أَجَلٍ قَدْ مَضَى لَا يَدْرِي كَيْفَ صَنَعَ اللهُ فِيهِ، وَبَيْنَ أَجَلٍ قَدْ بَقِيَ لَا يَدْرِي كَيْفَ اللهُ بِصَانِعٍ فِيهِ، فَلْيَتَزَوَّدِ الْمَرْءُ لِنَفْسِهِ، وَمِنْ دُنْيَاهُ لِآخِرَتِهِ، وَمِنَ الشَّبَابِ قَبْلَ الْهَرَمِ، وَمِنَ الصِّحَّةِ قَبْلَ السَّقَمِ، فَإِنَّكُمْ خُلِقْتُمْ لِلْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا خُلِقَتْ لَكُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ مُسْتَعْتَبٍ وَمَا بَعْدَ الدُّنْيَا دَارٌ إِلَّا الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ”. فبعد يوم عرفة المشهود، وعيد الأضحى المبارك، وما خصّهما الله به من فضائل ورحمات،حيث يقول صلى الله عليه وسلم عن فضل يوم عرفة”أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ”، ماذا ننتظر لنقلب صفحة جديدة بعد أن وعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الوعد الجميل، بأن الله تعالى سيغفر الذنوب سنة ماضية وقابلة؟ ماذا ننتظر لنغير أوضاعنا، ونصلح ما فسد من أحوالنا وأعمالنا، كم منّا من أحدٍ يسوف يؤجّل التوبة، أو يؤجّل الاستقامة واستئناف حياة الانضباط؛ وتوهمنا النفس والشيطان أننا ننتظر اللحظة المناسبة، كالزواج مثلا؛ ابرام صفقة؛ أو اجتياز امتحان، ثم لا يحصل من ذلك شيء، فقد يأتي الزواج فلا نتغير، وقد تتحقق الصفقة تلوى الصفقة ولا نتغير، وهكذا تتوالى الأحداث والمناسبات ونحن باقون على ما نحن عليه من التسويف والانتظار..

 

خطبة  الجمعة من جامع الجزائر – الجزء الأول –