مازلنا في رحاب شهر المولد نقتبس من أنواره وهداياته، وننهل منه الدروس والمواعظ، وذلك هو الفضل المبين ، من إحياء هذه الذكرى الجليلة على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، قال تعالى:”لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة” فهو النموذج البشري الكامل ، والصورة الأمثل للإنسان السويّ في شتّى جوانب الحياة،مهما تخلف الأزمنة وتتغير الدهور. نقف اليوم وقفة المتعلم والمتأسي في جانب مهمٍّ وخطير، من جوانب عظمة نبينا عليه الصلاة والسلام ، وكيف كان في أهله وأصحابه؟ ولعل من دلائل نبوءته صلى الله عليه وسلم أنه لا توجد في حياته مناطق مظلمة ، كما هو شأن الملوك وأصحاب الشأن في أقوامهم ،لا يرغبون بالبوح بها أو السماح بالاطلاع عليها…بل إن حياته الأسرية الخاصة كتاب مفتوح . فقد طفحت كتب السنة بالأحاديث والروايات التي تحدِّث عن هذا الجانب الخاصِّ جداً من حياته،ذلك لما فيه من الهديِ والتشريعِ الذي بُعث لبيانه..
فالأسرة هي حجر الزاوية في بناء المجتمع ، ودورها خطير في صلاحه ونمائه، أو في انهياره ودماره، ولا شك عندئذ أنّ كلَّ مسلم مطالب أن يتعلّم من هدْي النبي صلى الله عليه وسلم كيف ينبغي أن تتأسّس الأسرة المسلمة وما هو المثال الإنساني الذي يجب أن نتمثّله في بنائها والمحافظة عليها، حتى تؤدي دورها الجليل في بناء الفرد المستقيم الذي به يصلح المجتمع. قال عليه الصلاة والسلام: “كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه”. والأسرة المسلمة اليوم تشهد أخطاراً جسيمة من جهات كثيرة تهدِّد استقرارها، وتثبّط فعّاليتها التي ظلّت حيّة طيلة تاريخ الأمة الماجد، من خلال الترويج للعلاقات غير المشروعة، وانتاج برامج الترفيه الماجن ، والتشجيع على التخلص من العلاقة الزوجية لأتفه الأسباب، واعتبارِ ذلك نوعاً من الاستقلالية الشخصية والحفاظ على الصحة النفسية… لكي تستعيد الأسرة المسلمة دورها المحوري في المجتمع ، وتستردّ فاعليتها في بناء الأجيال الصالحة القويّة ، كما كانت بالأمس القريب ،لا بد أن تعود إلى هدي سيّد الأنام الذي هو المرجع في معرفة كيف ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين الزوجين في جميع الظروف والأحوال، وكيف ينبغي أن يكون الرجل هو الحامي لهذه العلاقة بسعة أخلاقه وقوة حكمته لا باندفاعه وقوة جسده قال عليه الصلاة والسلام: “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”. فخيرية المرء إنما تنعكس على أقرب الناس إليه؛ زوجِه وأولادِه، وهذه هي القيمة الأولى التي يجب أن تستوعبها أخلاق الرجال ، لمن كان يرجو الله واليوم الآخر، لأن هذا موضع الاقتداء حيث قال صلّى الله عليه وسلم:” وأنا خيركم لأهلي” .
الجزء الأول من خطبة الجمعة من جامع الجزائر