أنوار من جامع الجزائر: اللغة العربية… صعوبات وتحديات – الجزء الثاني –

أنوار من جامع الجزائر: اللغة العربية… صعوبات وتحديات – الجزء الثاني –

إنّ لغتَنَا العربيَّةَ تُوَاجِهُ صُعُوبَاتٍ كثيرَةً، تَسَبَّبَتْ في زعزَعَةِ مَكَانَتهَا، وتَطَرُّقِ الشُّكُوكِ إلى النّاطقين بها، فأضحَتْ هَدَفًا سَهْلًا لكُلِّ من يُريدُ النَّيْلَ منها، والانتقَاصَ من قدرِهَا، فاتُّهِمَتْ زورًا وبُهْتَانًا بأنّها لا تَصلُحُ لُغَةً للعلمِ والمعرفَةِ، كونَهَا لُغَةَ الغَزَلِ والشّعرِــ في زَعمهِمْ ــ، وهي لا تُوَاكِبُ التَّطَوُّرَ التّكنولُوجِيَّ الهائِلَ الذي وَصَلَ إليه الفِكْرُ البشرِيُّ، ولأجلِ التّفكيرِ في عوامِلِ ترقيَةِ اللُّغةِ العربيَّةِ وموَاكَبَتِهَا لعصرِ التكنولوجيات الحَدِيثَةِ بطُرُقٍ علميَّةٍ رصينَةٍ، يحسُنُ بنَا أن نَقِفَ أَوَّلًا عَلَى أَخطَرِ ما تُعَانِيهِ لغتُنَا الجميلَةُ من تحدِّيَاتٍ جِسَامٍ، ثم وَصْفِ الحلولِ العلميَّةِ لمواجهَةِ هذه المخاطِرِ، أمّا التّحدِّيَاتُ فراجعَةٌ إلى أمورٍ أربعَةٍ:

– أوّلها: العاملُ النّفسيُّ: وهي عقدَةُ النَّقصِ التي تَرَكَهَا المستعمِرُ الأجنبِيُّ في نفوسِ المجتمعَاتِ المُسْتَعْمَرَةِ، من أنَّ اللّغَةَ العربيَّةَ ضَعيفَةٌ، وأنّها لا تصْلُحُ لموَاكَبَةِ العلومِ الحديثَةِ، وأنَّ منْ يَتَحَدَّثُ بها رَجْعِيٌّ مُتَخلِّفٌ؛ لا يَمُتُّ للمَدَنِيَّةِ بصِلَةٍ، بخلَافِ من يَتَكَلَّمُ اللّغَاتِ الأخرَى، فهو مُتَحَضِّرٌ ومُتَمَدِّنٌ.

– ثانيها: التعقيدُ والعسْرُ في تعلُّمها: حيثُ ادَّعى كثيرون استصعَابَ قَوَاعِدِ اللّغَةِ العربيَّةِ “صَرْفًا ونَحْوًا وبَلَاغَةً”، بسبَبِ المَنَاهِجِ التّعليميَّةِ العتيقَةِ المُتَّبَعَةِ، حتى انْطَبَعَ في الفِكْرِ أنّها لغَةٌ صعبَةٌ، لا تَنْسَجِمُ وعَصْرَ السُّهُولَةِ والتَّخْفِيفِ.

– ثالثها: تخلُّف المجتمعاتِ النّاطقة بها وضَعْفُهَا في مختلِفِ المَجَالَاتِ؛ ممّا انعكسَ سَلْبًا على اللّغَةِ العربيَّةِ، وبالمقابِلِ هناك لُغَاتٌ أَقَلُّ شَأنًا، كالإنجليزيَّةِ والصّينيَّةِ والتُّرْكِيَّةِ، ليسَتْ لها خَصَائِصُ العربيَّةِ، ولا تَرْقَى إلى جَمَالِهَا ورَوْنَقِهَا، فَرَضَتْ نفسَهَا بقوَّةِ بلدَانِهَا ــ سياسِيًّا واقتصادِيًّا وعسكرِيًّا ــ.

– رابعها: المشكلةُ المعجميّةُ: ونَعْنِي بها النُّدرَةَ الرَّهيبَةَ في المصطلحَاتِ العربيَّةِ التي تقابِلُ المصطلحَاتِ الإنجليزيَّةِ في مختلِفِ المَجَالَاتِ، حيثُ نَجدُ اللّغَةَ الإنجليزيَّةَ قد اكتَسَحَتْ السَّاحَةَ العالميَّةَ اكتسَاحًا كُلِّيًّا “من حيثُ الوسائِلُ التقنيَّةُ، والهندسَةُ اللّغويَّةُ، وحوسبَةُ اللّغةِ، والرّقمنَةُ، ووسائِلُ الإعلَامِ …”، وتشيرُ بعضُ الإحصائيَاتِ العلميَّةِ أنّ عدَدَ الملفَّاتِ بالعربيَّةِ على الشَّابكَةِ العالميَّةِ “الانترنت” لا يتجاوَزُ نسبَةَ 2% من مجموعِ الملفَّاتِ باللُّغَاتِ الأخرَى، وهي نسبَةٌ ضئيلَةٌ جِدًّا. هذهِ أَهَمُّ التّحدّيَاتِ الفعليَّةِ التي تُوَاجِهُ لغَةَ القرآنِ، فهلْ من تريَاقٍ لهذه الأدوَاءِ المزعُومةِ التي نَخَرَتْ جَسَدَ لغتِنَا، وشَوَّهَتْ من نَصَاعَتِهَا وأَزَالَتْ بريقَهَا؟ والجَوَابُ العلمِيُّ الرّصينُ هو مضمونُ الخطبَةِ الثّانيَةِ. أقول ما تسمعون، وأستغفِرُ اللّهَ الحليمَ العظيمَ لي ولكم، ويا فوزَ المستغفرين، أستغفِرُ اللّهَ.

 

الجزء الثاني من خطبة الجمعة من  جامع الجزائر