إنّ عالم اليوم تحكمه قوًى كانت تحتلّ بلادنا وبلاد المسلمين بالأمس، والعولمة هي سلاحها الجديد لبسط هيمنتها، وفرض ثقافتها على شعوبنا، والقضاء على خصوصيات الأمم والمجتمعات، من خلال نشر ثقافه الانفتاح غير الواعي وازدراء الأديان،والتقليل من شأن القيم، وإفساد الأخلاق،وإضعاف شعور الفرد المسلم بانتمائه الحضاري، وولائه لبلده ودينه، انتهاءً بالتطبيع مع حياة الإباحية والذوبان في ثقافة المتغلب. إنّ العلمَ الّذي نحتاج إليه هو الّذي يشدّنا إلى أصولنا وتاريخنا المجيد، ويبعث فينا الوعي بتميُّزِنا وبهوّيتِنا، وتراثِنا الزاخر وأخلاقنا الكريمة، نحتاج إلى العلمَ الذي يفتح بصائرنا على حقائق الوجود، ويبثّ فينا الوعي بحقيقة ذواتنا، ورسالتنا في الحياة، وبمصيرنا ومستقبلنا القريبِ والبعيدِ. نحتاج إلى العلمَ الذي نستغلّ به ما سخّره الله لنا في أكوانه، لنصنع قُوتَنا، فنأكلَ ممّا نزرع، ونلبسَ ممّا نصنع، ونعفَّ أنفسنا عن الحاجةِ إلى من يستغلّنا، وقد يستهدف مصالحنا. وها هنا نجد أنفسَنا متقاربين بل متوافقين مع الأهداف ذاتها الّتي سعى إليها الأستاذ عبد الحميد بن باديس؛ فإنّ معركتنا مع الجهل والتخلف، ومع الأفكار المضلِّلة والهدّامة التي تخترق عقولنا وعقول أبنائنا من خلال وسائل الإعلام، ووسائط التواصل الاجتماعي، هي المعركة ذاتها التي خاضها الإمام الشيخ ولم تنتهِ بعدُ… فطريقنا واحد، وهدفنا واحد؛ وقافلة الإصلاح ماضية حتى يأتي أمر الله.. إنَّ الحاصل من هذا كلِّه؛ أنّ النهضةَ والحضارةَ والمدنيةَ في تاريخ أمّتنا القريب والبعيد قادها العلماء، وأنّ الأمّة حين انقادت للعلماء صنعوا نهضتها، وشادوا حضارتها، وحقّقوا الانتصارات العظيمةَ؛ فأهل العلم هم قادةُ سفينة الحياة يسلكون بها سبل النجاة.
الجزء الثالث والأخير من خطبة للشيخ محمّد مقاتلي