كلمات التّلبية يردّدها الحجّاج، بين فترة وأخرى، حتّى يشرعوا في التّحلّل من الإحرام. كلمات تردّدها الألسنة. فما موقعها في القلب؟ وماذا ينبغي للحاجّ أن يفهم من هذه الكلمات؟ هل يستشعر معانيها؟ هل تستوقفه هذه المعاني وهو يردّد التّلبية ويجدّدها بتجدّد أحواله؟ هو يقول “لبّيك اللّهم لبّيك” يا ربّي إجابة بعد إجابة. دعوتني إلى حجّ بيتك الحرام، فأجبت. أمرتني فامتثلت. وأنا أقوم بأعمال الحجّ كما أمرت. فأنا أطوف وأسعى؛ وأقف بصعيد عرفات؛ وأرمي الجمرات؛ تقرّبا إليك، وطاعةً لك كما أمرت. وحين يردّد كلمات الحمد: “إنّ الحمد والنّعمة لك والملك. لا شريك لك” فهو يقرّ بالحمد والنّعمة لله وحده، لا شريك له. هو يقرّ بقلبه، ويردّد بلسانه: يا ربّي منك الفضل والمنّة. الفضل منك وإليك. فأنا يا ربّي في بيتك الحرام، بفضلك ومنّك وكرمك. ليس بحولي ولا قوّتي ولا بفضلٍ منّي. أنت من هديتني ووفّقتني وأعنتني ويسّرت الأسباب لي. وأنا أعيش هذه الرّحلة الإيمانيّة بقدرتك وفضلك وإحسانك. وهكذا يستشعر الحاجّ نعمة الله عليه في كلّ محطّات الحجّ؛ ويتذكّر في رحلته عشرات الملايين من المسلمين، في مشارق الأرض ومغاربها، تهفو أفئدتهم إلى البيت الحرام، وزيارة الحبيب المصطفى، عليه الصّلاة والسّلام، ولا يجدون إلى ذلك سبيلًا. إنّها بحقّ أوقات روحانيّة، ومعايشة وجدانيّة، تتطهّر فيها النّفوس، وتمتثل لها الجوارح، وتستقيم بها الأقوال والأفعال؛ حين يتزوّد الحاجّ بخير زاد. وما تزوّد مؤمن بأفضل من زاد التّقوى، الّتي تجمع خصال الخير كلّها. وحين تخلص النّيّة لله بأن لا يقصد بحجّه رياءً ولا سمعةً ولا مطمعًا من مطامع الدّنيا. والله تعالى يقول: “وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه” وإتمام الحجّ القيام بمناسكه على الوجه المشروع؛ كما بيّنها رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، القائل: “خذوا عنّي مناسككم” وقوله سبحانه في هذه الآية، يعني إخلاص النّيّة لله وحده، وتخليص أفعاله من الشّرك، فلا رياء ولا فخر، ولا خيلاء ولا مباهاة، مع تواضع لله.
-الجزء الثاني والأخير-